بقلم: الدكتور فايز أبو حميدان
إن أسرار المريض من الأمور المقدسة في حياة الطبيب، وتُشكّل جزء هام من القَسَمْ الطبي الذي يُلزِم الطبيب بالمحافظة على اسرار المرضى وعدم البوح بها لأحد، ولكن ألا يحق للطبيب إبلاغ زوجة مريض مصاب بالإيدز من أجل حمايتها ؟! كما ان حادثة سقوط طائرة جيرمان وينغز في العام الماضي ووفاة أكثر من 150 شخص كان تجنب حدوثها ممكن لو قام الطبيب النفسي في ذلك الوقت بالإبلاغ عن وجود خطورة الانتحار لدى مساعد الطيار والذي استلم القيادة لدقائق عندما غادر الطيار الكبينة إلى دورة المياه .
ان هذه الحوادث تجعل مسألة مناقشة موضوع أسرار المريض من الأمور التي تزداد أهمية في أيامنا الحالية، وهناك توجهات للسماح بالبوح ببعض الأسرار لدى بعض الوظائف كسائقي القطارات والطائرات وبعض الوظائف الأخرى لحماية حياة الناس الذين يتعاملون مع هذه الفئة من الوظائف، كما ان البوح بالأسرار لذوي بعض المرضى كبار السن والذين يعانون من مرض النسيان أو الخراف العجزي سيصبح أمر مقبول وهذا سوف يجعل اسرار المريض مسألة غير مقدسة وقابلة للنقاش، ولكن الأصوات المعارضة لهذا التوجه كثيرة كون الموضوع يحتاج الى تغيير القوانين بتعاون دولي .
فسن قوانين جديدة قد يكون محفوف بالمخاطر، ويولد ثغرات متعددة يمكن استغلالها بشكل خاطئ، وهناك تخوف آخر وخاصة فيما يخص الأمراض النفسية فقد يؤدي هذا الوضع إلى انزواء المرضى النفسيين، وعدم إقبالهم على العلاج وقد يصل الامر إلى إخفاء التقارير المرضية عن ارباب العمل وهذا بدوره يمنع إمكانية علاجهم والتعرف عليهم .
كما ان المعارضين لهذه الليبرالية في المحافظة على اسرار المرضى يدّعون بأن تغيير الوضع الحالي قد يُشعِر المرضى ايضاً بعدم وجود حماية لهم ولأسرارهم، وهذا قد يؤدي إلى زراعة ثقافة عدم الثقة بالطبيب والكادر الطبي، كما ان نقابات الأطباء والمجالس الطبية تقوم حالياً بحملة عالمية لإيقاف توجهات بعض الحكومات في تسهيل قوانين المحافظة على أسرار المرضى، وعدم إقحام الأطباء في أعمال قضائية أو جزائية لأن وظائفهم تقتصر المحافظة على صحة المريض فقط.
لكن التطورات التكنولوجية ودخول عالم الكمبيوتر والهواتف الذكية قد يفتح المجال للإباحة ومعرفة أسرار المرضى أكثر من السابق، بالإضافة إلى ان اختلاف الثقافات والقوانين في الدول تجعل التعامل مع اسرار المرضى يختلف من بلد إلى آخر، ففي الأردن على سبيل المثال يوجد التزام في الحفاظ على اسرار المرضى من قبل الكوادر الطبية ولكن للأسف ليس بالشكل المطلوب، كما ان العلاقات الاجتماعية والعادات والتقاليد في بلادنا تجعل مسألة اسرار المرضى فضفاضة للغاية، ناهيك عن ان المواطن وذويه لدينا هم المصدر الأول للبوح بالأسرار التي تخص المريض، ولكن التطورات الاجتماعية حالياً تجعل مسألة المحافظة على اسرار المريض أكثر أهمية من السابق في مجتمعنا، والمحافظة عليها من مقدسات المهنة .