بقلم : مفلح العدوان
مسكون بصوت الحق هذا المكان..
مليء بمعنى الثمر الطيب، للشجر الطيب، بدءا من أول قطرة ماء استقرت فيه، وليس انتهاء بدعوة يوحنا المعمدان، عند كل تعميد أن :
(أثمروا ثمرا يليق بالتوبة، ولا يخطر لكم أن تقولوا في نفوسكم أن أبانا إبراهيم ، لأني أقول لكم إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادا لإبراهيم، ها أن الفأس وضعت على أصل الشجرة، فكل شجرة لا تثمرثمرة جيدة تقطع وتلقى في النار..).
ومنذ تلك الثمرة، ما زال الصوت يحضر عند كل خلجة نفس، مكملا تعميد كل من أتاه : (أنا أعمدكم بالماء للتوبة، وأما الذي يأتي بعدي فهو اقوي مني، وأنا لا أستحق أن أحمل حذاءه ، وهو يعمدكم بالروح القدس والنار) .
****
عبر الأردن
ياه.. سلاما يا سادة النقاء.. سلاما أيها السيد المسيح الذي بشّر بك من هذا المغطس، يوحنا المعمدان، هو يحيى بن زكريا، ساكن هذا الموقع، عبر الأردن، الذي وهب الماء فيه معنى ارتفع بدلالاته درجات عن فيزياء السيولة، وكيمياء التحول.. صار للماء دورة أخرى.. وجه آخر، يتجمل بمعاني القداسة، وبدلالات التعميد، وبتداعيات الطهارة ،وبتجليات النقاء.. كل هذا يأتي ترجمانا علويا، مشفوعا بأبجدية الماء، ومقترنا بحلول المخلص، وببدء عهد نور جديد.
****
شرق النهر
مرة أخرى، أطأ ثرى المكان..
ها رعشة ترتفع بالجسد نحو الأعالي ، كأن الهواء متخم بتراتيل الكهان.. وها هي هيبة.. رهبة.. مهابة.. صمت لا يوازيه إلا جلال الماء حين يحتضن التراب، وأنا أجوس المكان منصتا، ولكل تفاصيله أصغي، فأسمع همس السر يتفتّق من ثغر القداسة الناضجة هنا، أصغي أكثر، فينسل نحو سويداء القلب، وبؤرة الروح، بوح ناموس البشارة: (أنا سرّة الأرض، وموقع السر فيها، مرجعا، وجلالا، وبؤرة عمّاد لا ينتهي ..).