في روايته الأخيرة التي صدرت قبل أيام عن دار مدارك بالخرطوم، يحاول الروائي السوداني عيسي الحلو تقديم مغامرة إدهاش جمالية جديدة من خلال منهجه في التجريب والذي اتبعه في سردياته السابقة في مواجهة مشكلات القصة والرواية، بدءا من أول إصدارة له "ريش الببغاء" عام 1967 وصولا إلى روايته "العجوز والأرجوحة" عام 2010.وقد اعتبر النقاد رواية "الورد وكوابيس الليل" مفاجأة، إذ يقول الناقد مجذوب عيدروس إن المفاجأة في هذه الرواية جاءت على أكثر من صعيد، فعلى صعيد موضوعها انبثقت نظرة عيسى لموضعة الكتابة وحواره مع الذات الكاتبة، وفيها تجره نظرة عميقة لكتابات الآخرين من أجانب وسودانيين. ومفاجأة أخرى تمثلت في انغماس عيسى أكثر من ذي قبل في قراءة الواقع السياسي السوداني، وهو الذي كان يتجنب الخوض في أمور السياسة.وينحو الحلو في كتاباته نحو غرائبية فلسفية يبث من خلالها تعريفه للكتابة والكاتب والمجتمع، ويتخذ من تشابكات السرد خيوطاً ناعمة يقرأ بها الخارطة السياسية والاجتماعية.وقد اتخذ في هذه الرواية من الواقع السوداني الحالي أدوات رسم وبلونين أبيض وأسود, إذ يرمز الأبيض إلى التحذير من مآلات الواقع، والأسود إلى ظلال الواقع الماثل على خارطة الوطن.وللحلو أسلوب سردي تتداخل فيه خيوط المقال مع الخيال, ويلتقيان في تلقائية وانسيابية لغوية ليحدد الرؤية للقارئ دون تعقيد فلسفي رغم بثه لرؤاه الوجودية والسياسية.أول ما يلاحظ في هذه الرواية عنوانها والتناقض بين الورد وكوابيس الليل والذي سعى الكاتب للجمع بينهما عبر اعتماده على تقنيات سينمائية في المونتاج وتداخل الأزمنة وتعددية الأصوات والربط بين الوهم والخيال الذي يختلط في الواقع. فالرواية تبدأ أحداثها من قلب الخرطوم وتحديدا من ميدان جاكسون، الملتقى الذي تتحرك منه المواصلات إلى مدن العاصمة المثلثة وتنتهي إليه بتمدد جثة عبد المنعم ياقوت من الميدان إلى مدينتي نيالا أقصى غرب السودان وجوبا عاصمة الجنوب في رؤية عيانية.وهذا يمثل في البعد السياسي انفصام الجنوب وأزمة دارفور، وهي لم تقدم إجابة بل عرض حالة وطن يمثله حضور وغياب الياقوت، إذ كان في حضوره مشكلة وفي غيابه أزمة.. "لماذا عبد المنعم ياقوت؟ ومن هو؟.. ومن يكون".. أهو جزء منا؟.. أهو هواجسنا؟.. وأوهامنا؟.. أحلامنا؟.. أم خوفنا من الدنيا! من مفاجآت الحياة التي تختبئ وراء كل لحظة بوصفها ممكنا من بين الممكنات، وتوقعا محتملا لما يحدث في الزمن الآتي؟ أهو الخوف من أنفسنا أم الخوف من الآخر؟ أم هو الخوف من المجهول؟".
أراد الحلو بهذه الرواية -وهو في سن السبعين- أن يتخذ من الخطاب السردي بوابة لتحطيم أبنية السرد المألوفة، ليجعل من المنفي والمسكوت عنه نسقاً لقراءة فيها المجاز والدلالة والتغيير والتبدل, والذي يمثل أصلاً فلسفياً تتقاطع فيه الذبذبات الدقيقة للتشكل والهوية والسيرورة والصيرورة.
تستند الرواية إلى سرد غرائبي وحكايات متناثرة. وعبد المنعم ياقوت هو سعيد كمال.. وراقية وروجينا توأمان. هذه عمياء، والأخرى نصف مبصرة، مع وجود تنظيم سري يحكم المدينة ويمارس فيه ياقوت الاختفاء, والذي هو نفسه سعيد كمال.. يموت ياقوت ويقبض على سعيد كمال. والرواية تطرح الأسئلة دون تقديم الإجابة في تواطؤ بين الكاتب والمؤلف والبطل الذي لم يظهر على شاشات السرد.وفي تصريح للجزيرة نت قال الروائي عيسى الحلو إنه كتب رواية "الورد وكوابيس الليل" في أسبوعين، وإنه يحتاج إلى عام من الراحة حتى يعاود الكتابة مرة أخرى.
أرسل تعليقك