لندن ـ وكالات
يصدر عن دار «مدارك» قريبا كتاب لدافني باراك بعنوان: «ماما سارة أوباما.. أحلامنا والجذور». وتعتبر دافني باراك أحد أفضل صحافيي المقابلات في العالم. أجرت كثيرا من المقابلات الصحافية المطولة مع عدد كبير من القادة والرؤساء والملوك والرياضيين ونجوم السينما والموسيقيين ومصممي الأزياء وصانعي الأحداث. جاء الكتاب حصيلة زيارات من قبل الصحافية إلى سارة أوباما، الجدة التي أصبحت السيدة الأولى في مدينتها.
وهنا مقتطفات محررة من الكتاب:
سارة امرأة كبيرة تلبس فستانا برتقاليا تقليديا وتضع على رأسها ربطة قماش تتناسب معه. وجهها أكثر شبابا من عمرها الحقيقي. كانت تملك ابتسامة جريئة. تعانقنا، ثم قدّمت لي ابنتها مارسات، وقادتني إلى داخل منزلها الذي امتلأت جدرانه القديمة بصور العائلة؛ لها ولزوجها الراحل، وحفيدها الأميركي.
قبل أيام قلائل من قيام باراك أوباما بتأدية القسم كرئيس للولايات المتحدة الأميركية الرابع والأربعين، كانت كل من سارة ومارسات تتحدثان معنا يوميا عبر الهاتف عن أشياء كثيرة، وعن الفستان الذي يجب على سارة أن ترتديه في الحدث الكبير. لقد أصبحت الآن الجدة الأولى في البلاد.
تقول الجدة سارة: «أحببت منزلنا في كيندو باي، حيث تأتي السفن بالقرب منا ومعها كل أنواع التسلية والموسيقى.. كانت النساء جميلات أيضا، عائلتي مسلمة، وذلك بسبب أن بعض التجار العرب جاءوا إلى مدينة كيندو باي وبدأوا بعض مشاريعهم التجارية هناك. لذلك استمر الإسلام في التأثير على حياتنا. تلقّى باراك (الأب) تعليمه في مدرسة ابتدائية في وقت اعتنائي به، هو وإخوته. كان صفا دراسيا يجلس فيه الأطفال تحت شجرة مع معلمة لهم. كان يلحّ في طلب الدارسة بمدرسة أكثر جدّية -حيث يكون فيها معلم حازم - أي يكون المعلم رجلا. لا نملك مثل هذه المدرسة محليا، ولا أدري كيف يُستجاب لمطلبه هذا؟!».
باراك (الأب) كان قد طُرد من المدرسة، على الرغم من كل الدرجات الممتازة! إن الأمر يتعلق بموضوع الفتيات، تكشف سارة أنه كان يستغلّ جاذبيته في جلبهن إلى سكنه، ويعدهن بتحقيق أحلامهن! ذات مرة، وصل باراك (الأب) إلى البيت مبتسما، واحتضنني ورفعني عن الأرض وهو يصرخ بفرح شديد. رجعت المرأتان صاحبتا اقتراح ابتعاث باراك إلى أميركا وهما تحملان استمارات طلب التسجيل في جامعة هاواي، قام باراك بتعبئة الاستمارات وبدأ بالدراسة الجادة في المنزل يوميا بعد العمل. دفعه الحلم الأميركي إلى بذل قصارى جهده.
تضيف سارة: «استمرّ في زياراته لنا، واستمرت معه الهدايا الكبيرة التي كان يجلبها لنا. كل زيارة له هي بمثابة احتفال. كان يخبرني عن مارك وديفيد وهما ولداه من روث. لم أرهما لكني سمعت عنهما من باراك وزيتوني. لم تكن تسمح روث لهما بمصاحبة باراك في زيارته لنا في كوقيلو، حيث كانت على وعي تماما برفض زوجي لها. كان حسين غاضبا من روث فليست، هي ليست امرأة أميركية فحسب، بل هي أيضا من أصل يهودي. لكن باراك كان سعيدا معها. زيارات باراك لنا وهداياه القيمة هي حديث الناس في قريتنا في ذلك الوقت. كان أحيانا يحضر ومعه أوما ومالك».
اكتشفت لاحقا أيضا من خلال رسائل «آنا» أنه (تضيف الجدة) وبعد زواجهما انتقلا مع باراك الصغير الذي كان في السادسة من عمره إلى إندونيسيا. كان ذلك في عام 1967. استمرت الرسائل من آنا في جاكرتا. اتضح لي من خلال الرسائل المعبرّة والبليغة أن آنا معلمة بارعة في اللغة الإنجليزية. أطلعني باراك على كل صغيرة وكبيرة عن ابنه في إندونيسيا الذي رجع مرة أخرى إلى هاواي بعد أن أصبح لديه في ذلك الوقت أخت غير شقيقة من آنا وزوجها الإندونيسي، تابعت الأحاديث الكثيرة لباراك عن ابنه الصغير قبل أن يأتي لاحقا خبر فقدانه لوظيفته.
وحدثت المفاجأة التالية لها في عام 1990م عندما دعاها باراك الابن إلى زيارته في هارفارد، التي كان يكمل فيها دراسته العليا. «هارفارد»! فكّرت سارة قائلة: «هي الجامعة نفسها التي درس فيها باراك الأب! والتي حصل منها على شهادة الدكتوراه. إنها واحدة من أفضل الجامعات! وأول الأفارقة الذين ذهبوا إليها..».
زاد شوق سارة؛ إذ كان باراك الأب يخبرها في رسائله عن القصص الكثيرة التي عاشها في الجامعة. لقد أشعرها على نحو شخصي بأنهما معا سيحققان حلمهما الكبير - وأنها جزء مهم من هذا الحلم. كانت ترّدد تلك القصص في تفكيرها، المرة تلو الأخرى، في محاولة منها لتخيل الأشياء هناك.
زادت علاقة سارة بباراك الصغير، وأصبحت أكثر عمقا بعد هذه الزيارة. كانت قبل ذلك مندهشة لتشابه الشكل والصوت بينه وبين أبيه الراحل، ابنها الحبيب. أما الآن فقد تعلّمت أن تنظر إلى حفيدها بشخصيته المستقلة. نعم، هو يشبه أباه في كل شيء، لكنه كان أميركيا، وكان أكثر مرونة. الأشياء بالنسبة إليه أقل دراماتيكية وبعيدة عن الإثارة الزائدة. لم يكن يمطرها بالهدايا الثمينة، ولا يوجد ذلك التفاوت الكبير بين الصعود إلى القمة والهبوط إلى القاع، كما عند والده.
سمعت سارة أن حفيدها أصبح سياسيا؛ ممثل الولاية من سبرينغفيلد، الينوي. أصبح يُطلق عليه رسميا سيناتور الولاية. لم تفهم معنى الكلمة تماما، لكن مع ذلك شعرت من داخل قلبها أن هذه هي بداية الصعود عبر سلّم طويل. أي بعد خطوات قليلة تصل إلى القمة.. «لكن عليك أن تتأكد من عدم قيام شخص ما بسحب السلم نحو الأسفل.. لأنه مهما ارتفعت عاليا، فإنك ما زلت في السلّم». كانت قلقة من ذلك، محاولة الانشغال بأعمالها الروتينية.
في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 2004، استقبلت سارة خبرا آخر سعيدا عن حفيدها: «فاز باراك في مقعد في مجلس الشيوخ للولايات المتحدة الأميركية»! رقصت سارة فرحا وهي تفتخر بباراك كما لو كان هذا هو الخبر الكبير الذي كانت تنتظره دائما. في صيف 2006، أصبحت سارة إحدى الشخصيات المهمة المشهورة في كينيا! سيزور عضو مجلس الشيوخ باراك أوباما وزوجته ميشيل عددا من الدول الأفريقية، وعلى رأسها طبعا كينيا. كانت هناك شائعات تدور حول نية السيناتور الأسود الترشح للرئاسة. لكن كان هناك أيضا مرشح الرئاسة الأميركية السابق كنائب للرئيس مع المرشح جون كيري.
في انتخابات 2008 الرئاسية للولايات المتحدة، وقبل 48 ساعة من يوم الانتخاب، كان الناس يتضرعون إلى الله من أجل فوز حفيد سارة في أميركا. كلهم كان يلهج بالدعاء؛ ممثلو الدين المسيحي، والهندوس، والمسلمون في كوقيلو، وأخيرا، وفي الساعة الخامسة صباحا بتوقيت كينيا، امتلأت تلك الخيمة الكبيرة بصيحات الفرح والنصر.. فاز باراك أوباما في الانتخابات! سوف يكون الرئيس القادم للولايات المتحدة.
سيناريوهات مثيرة للعلاقة بين باراك الأب وباراك الابن والجدة والعائلة، كانت «الأحلام» تتراءى أمامهم غير أن وصول الحفيد إلى سدة الرئاسة الأميركية كان حلم الأحلام بالنسبة للجدة.
أرسل تعليقك