القاهرة ـ وكالات
"اشتراكي بقلب مؤمن" هكذا وصف الزعيم ورئيس كوبا فيدل كاسترو، الرئيس الفنزويلي الراحل منذ أيام هوجو تشافيز، فهو رجل يذكرك بأبطال التاريخ الأسطوريين الذين نذروا أنفسهم لنصرة الفقراء والمعدمين، ثوري يحكم شعباً منقسماً بين فقراء لا يجدون ما يقيمون به أودهم، وأغنياء تكتظ بنوك واشنطن ونيويورك بأرصدتهم. لم يكن عجيباً أن تراه يحمل الصليب في جيبه أينما ذهب، كما يحمل أيضاً الدستور الفنزويلي!. يمتدح الكاتب الصحفي عادي الجوجري في كتابه "هوجو شافيز أسد فنزويلا ومرعب أمريكا: أسرار انتصار الثورة في أمريكا اللاتينية بالصور والوثائق والشهادات" - الصادر عن دار الكتاب العربي - شافيز، ويصفه بأنه رجل يعشق جمال عبدالناصر يتحدث عن تاريخ العرب كعالم يعرف تراثهم المقاوم أكثر من بعض العرب.
الكتاب يستعرض مسيرة وشخصية شافيز، ويرسم صورة دقيقة للمناضل الثوري الوطني الذي استطاع أن يرسم لنفسه ملامح الطريق للنهوض ببلده، فقد تربى الرجل عن أساتذة وطنيين كبار في قارته أمريكا اللاتينية مثل بوليفار وكاسترو وجيفارا وأدرك بعمق التوجهات السياسية والأقتصادية والأجتماعية التي دفعت مسيرتهم بحيث أصبحوا أمثلة تقتدى للاستقلال الوطني وللعدالة الإجتماعية والحرية الأنسانية، ضد القوى الأمبريالية .
في الساعات الأولى من صباح الأحد 3 ديسمبر 2006، كانت فنزويلا تستيقظ كي تستعيد رسم ابتسامة على شفتي مستقبلها كواحدة من أهم الدول الناهضة، المناهضة للهيمنة الأمريكية، فقد توجه 16 مليون ناخب إلى صناديق الاقتراع لانتخاب أحد طريقين أو مرشحين متنافسين، المرشح اليميني مانويل روزا، وكان روزا من قادة الانقلاب الذي جرى ضد الشرعية التي يمثلها الرئيس هوجو شافيز عام 2002، وهو الانقلاب الذي أحبطته جماهير الفقراء، والمهمشين الذين هبوا للدفاع عن الرجل الذي يحني العاصفة ولا تحنيه، والنظام الذي صار قلباً للمشردين وقد أنصفهم، وحولهم من محرومين إلى ملاك أسهم في الشركات المنتجة والموزعة للنفط، فضلاً عن استفاداتهم من عائدات النفظ التي كانوا يسمعون عنها ولا يرونها، عبر سلسلة مشاريع اجتماعية ساهمت في تخفيض معدلات البطالة.
المرشح الثاني هو الرئيس الثوري شافيز نفسه الذي بدا متأكداً من فوزه، وهو الذي أظهر في الزمن الصعب أنه لن يكن أول ولا آخر من يغادر الثورة، وقد تمكن من حشد ملاين الشباب "ذوي القمصان الحمراء" من أنصاره النشطاء الذين عملوا بدأب في حث المواطنين للذهاب إلى صناديق الاقتراع لهزيمة الشيطان، أي هزيمة الإدارة الأمريكية مجسدة في شخص الرئيس جورج بوش الابن، حيث تاصبته الإدارة الأمريكية العداء منذ تولي الحكم عام 1988 وشجعت ودعمت انقلاباً ضده نظمته الاحتكارات النفطية الكبرى في كاراكاس.
ويؤكد المؤلف أن الشعب الفنزويلي أعطى أصواته للرئيس شافيز ما منحه فوزاً كاسحاً بعد فرز 78% من أصوات الناخبين، وأعلنت اللجنة المشرفة على الانتخابات فوزه قبل فرز باقي الأصوات، ما عده المراقبون فوزاً كاسحاً لم يحصل في تاريخ فنزويلا من قبل، ليحظى بولاية جديدة مدتها ستة أعوام.
ومن شرفة قصر "ميرافلوريس" الرئاسي في كاراكاس حيث احتشدت الجماهير، وجه شافيز التحية إلى الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، وهو الأب الروحي للثورة، كما قدم التحية إلى روح الثائر تشي جيفارا، مؤكداً أن الاشتراكية هي مستقبل فنزويلا، وأن بلاده تعتبر الأغنى في مجال النفط في أمريكا اللاتينية لن تكون على الإطلاق مستعمرة أمريكية بل ستكون مجتمع المساواة والعدالة والتنمية والفضيلة.وغنى شافيز وسط مؤيديه عبارات من قصيدة "الفضيلة" للشاعر اللاتيني بلاوتوس:
"جائزة الفضيلة هي الفضيلة نفسها/ فهي أفضل الجوائز/ إنها تأتي قبل كل شئ/ بها تحتمي وتسلم الحرية والأمان والحياة نفسها/ وكذا الثروة والأبناء/ نعم، تملك الفضيلة داخل نفسها كل الأشياء/ فمن الفضيلة امتلك كل الخيرات". وقال شافيز أن فنزويلا وجهت درساً للرئيس بوش عن الكرامة، فقد ظن أن فوز اليسار يهدد الديمقراطية، وأدعوه أن يتأمل الحشود الضخمة ليتأكد أن الديمقراطية الحقيقية هي الانحياز إلى الفقراء أي إلى اليسار. يوضح الكتاب أن شعبية شافير ترتكز على برنامجه الاجتماعي الطموح الذي طبقه في البلاد، وهو ما يسميه الثورة البوليفارية نسبة إلى سيمون بوليفار الزعيم التاريخي وملهم الثوار الجدد، كما يسمي برنامجه الاجتماعي "اشتراكية القرن 21" وهو يقصد نمطاً جديداً من الاشتراكية اللاتينية تستند إلى المنهج الديمقراطي في الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع وليس عبر الانقلابات. ستطاع شافيز أن يستفيد من الثورة النفطية الهائلة التي كانت مبددة في السابق، فأعاد توزيعها بقدر من العدالة على كافة القطاعات الاجتماعية، واستطاع أن يبني عشرات المصانع الوطنية ويوظف فيها آلاف الشباب الذين كانوا يشكلون بؤرة توتر بسبب البطالة، قبل أن يجدوا فرص عمل كريمة، أشاد بها تقرير للبنك الدولي صدر عام 2005 أكد أن معدلات التنمية في فنزويلا بلغت 6%، وهو أعلى معدلات التطور في القارة اللاتينية. وكان شافيز تسلم السلطة لأول مرة عام 1998 عندما كان 50% من المواطنين في بلاده تحت خط الفقر، واستطاع أن يحقق نقلة اجتماعية كبيرة من خلال التركيز على رفع مستوى معيشة المواطنين من خلال تأميم النفط إعادة توزيع عائداته على المواطنين، ورفع شعار "القضاء على بيوت الصفيح" التي كانت نتشرة في فنزويلا بسبب التردي الاقتصادي، وتبني مشروع إنشاء 200 ألف مسكن اقتصادي توزع مجاناً على المحتاجين.كان هوجو شافيز ثرياً في تعامله مع إمداد الفقراء الأمريكيين بملايين الجالونات من النفط في إطار برنامج يقوم على مدى الأسابيع الشتوية بتوفير وقود رخيص للتدفئة بأسعار مخفضة لفقراء في بوسطن ونيويورك خلال شتاء 2006، وأعلنت شركة سينجو التابعة لشركة النفط الفنزويليلة، ومقرها هيوستن إطلاق برنامج يقوم على توفير وقود التدفئة بأسعار مخفضة تضامناً من فنزويلا مع فقراء أمريكا، وتعتبر هذه الخطة من أهم الأمثلة على كيفية استخدام شافيز لعوائد النفط الكبيرة بعد ارتفاع أسعار النفط كأداة دبلوماسية.
وقال المحلل السياسي الأمريكي اللاتيني باتريك استرولاس أن هدف شافيز الأساسي تأجيج النار، لا سيما بين الفئات المهمشة في الولايات المتحدة حسب ما أوردت صحيفة واشنطن بوست.
ويحظى شافيز بشعبية واسعة في أوساط الجالية الإسبانية في أمريكا، وأوساط الزنوج والجالية العربية في حين تناصبه إدارة الرئيس بوش العداء. وقد اتهم شافيز الاستخبارات الأمريكية وجورج بوش بالوقوف وراء قرار المعارضة الرئيسية بمقاطعة الانتخابات، معتبراً أنها مؤامرة ضد حكومته.
واعتبر شافيز أن زعيم الإمبراطورية السيد "خطر بوش" يتحمل مسئولية الانسحاب مشدداً على أن لديه دليلاً على تورط الاستخبارات الأمريكية في المؤامرة.
وفي لهجة تعكس التحدي – كما يبين الكتاب - توجه شافيز إلى بوش قائلاً: سيد بوش أراهنك حول من سيبقى مدة أطول في الرئاسة أنت في البيت الأبيض، أم أنا في القصر الجمهوري في كاراكاس؟. وقد كسب شافيز الرهان ليس في فنزويلا فقط وإنما في القارة الأمريكية ولا يختلف اثنان أن شافيز افتتح مجدداً التغيير الديمقراطي الثوري في القارة اللاتينية، وليس في فنزويلا فقط.
وعلى الصعيد العسكري كما يورد الكتاب، قال شافيز أنه سيعزز قدرات بلاده العسكرية ليس لتهديد السلم مثلما فعلت أمريكا عندما غزت العراق وأفغانستان، إنما لردع من يحاول أن يفرض إرادته على الشعب، وخاطب رجاله بلسان الحكمة قائلاً: "لا أفكر إلا في السلم وتنمية بلادي ولكني لا أرى غير التهديد الأمريكية بالحرب".
اكتسب شافيز مصداقية كبيرة على مستوى الشعوب العربية كأهم زعيم في العالم منحاز إلى الحق العربي، عندما وصف العدوان الإسرائيلي على لبنان بأنه "العدوان البربري النازي" وقرر سحب سفير بلاده من تل أبيب احتجاجاً على العدوان، لم تجد إسرائيل أمامها سوى التعامل معه بندية فقد أعلنت تل أبيب انها سحبت سفيرها في كراكاس احتجاجاً على تصريحات شافيز الذي شبه عدوانها على لبنان بحملات هتلر النازية. الأمر الذي جعل اسم شافيز حاضراً في البيت العربي مشفوعاً بالاعجاب والاحترام - حتى زمن صدور الكتاب على الأقل- حتى أن العرب كانوا يهنئون بعضهم بإعادة انتخاب شافيز ويعتبرون انتصاره في الساحات المختلفة انتصاراً عربياً. كما أن جماعة الإخوان المسلمين المصرية وجهت التهنئة لشافيز بعد فوزه الساحق.
يورد الكتاب ما قاله شافيز في الأمم المتحدة بعد انتصار حزب الله على العدوان الإسرائيلي عام 2006: "المقاومة اللبنانية اليوم تلهم كل مقاومي العالم، وكل أحرار العالم وكل أشراف العالم وكل الرافضين للخضوع والإذلال الأمريكي في العالم". يعزو المحللون كما يشير الكتاب سبب ابتهاج العرب بإعادة انتخاب شافيز؛ لدعمه للقضايا العربية ولا سيما القضية الفلسطينية ولمعاداته للإدارة الأمريكية والرئيس الأمريكي جورج بوش الذي وصفه شافيز بـ"الشيطان" في إطار حملات سياسية متبادلة، وجه فيها بوش انتقادات حادة لشافيز من بينها أنه يسعى إلى إقامة ديكتاتورية البروليتاريا من جديد في القارة، واستغلال ثروة فنزويلا النفطية لإقامة حزام يساري يهدد أمن الولايات المتحدة. أيضاً كان شافيز من أشد المنتقدين للغزو الأمريكي لعراق، وقد زار صدام حسين في بغداد قبل سقوطها وتضامن معه، كما اعلنت بلاده استعداداها لاستقبال قادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بعد أن فرض الغرب حصاراً اقتصادياً وسياسياً عليها، وقد لقيت فنزويلا ترحيباً شعبياً عربيا واسعاً وصل إلى إطلاق شعارات في مدونات الإنترنت منها "عاشت فنزويلا حرة عربية".
بالطبع، وقت صدور الكتاب لم يكن المؤلف قد ألم بموقف تشافيز من الثورة السورية، والتي اعتبرها مؤامرة للإطاحة بنظام بشار الأسد، وهي سقطة أثرت في ضمير الشارع الثوري العربي .. غير أن هذا لا ينكر للرجل قدراته الهائلة في النهوض بأمته وأن يقول لحكام أمريكا "لا"
أرسل تعليقك