حجرتان وصالة الحياة على عتبة الموت
آخر تحديث 13:23:14 بتوقيت أبوظبي
 صوت الإمارات -

"حجرتان وصالة" الحياة على عتبة الموت

 صوت الإمارات -

 صوت الإمارات - "حجرتان وصالة" الحياة على عتبة الموت

القاهرة ـ وكالات

يصعب تصنيف العمل الأدبي الأخير الذي وضعه الكاتب المصري الراحل إبراهيم أصلان بعنوان "حجرتان وصالة" وصدرت ترجمته الفرنسية حديثا عن دار نشر "أكت سود" (سلسلة "سندباد"). ولعل هذه الصعوبة هي التي دفعت أصلان إلى تسهيل مهمة النقّاد بإضافة عبارة "متتالية عائلية" إلى عنوان الكتاب كمحاولة مبتكَرة لتصنيفه. ينقسم الكتاب إلى فصول عديدة يروي كل واحد منها مشهدا حياتيا عاديا لمسنٍّ يدعى "الأستاذ خليل" يعيش مع زوجته "إحسان" في شقة تتكون من حجرتين وصالة، بعدما مرّ عليهما عمرٌ طويل أنجبا فيه ولدَين وأشرفا على تربيتهما وتعليمهما، قبل أن يرحل الولدان إثر زواجهما فيفرغ بيت خليل وإحسان من الحياة. وتصبح حينئذ التفاصيل الصغيرة للغاية شغلهما الشاغل، وتنحصر حواراتهما القليلة والقصيرة بأمور المنزل اليومية.لكن سرعان ما تتوفّى إحسان فينتقل خليل للعيش في شقّته القديمة التي تتألف بدورها من حجرتان وصالة. ومع أن ولديه وجيرانه وعددا ضئيلا من أصدقائه القدامى لم يتخلوا عنه، لكنه لم يلبث أن يواجه برودة العزلة وألمها، ويبدأ في اجترار الذكريات والأحزان، وحده أو مع أصدقائه الذين شاخوا ويعانون الفراغ مثله. ويمكن قراءة هذا النصٌ الذي لا يتجاوز ١٢٠ صفحة كرواية نظرا إلى سرد الكاتب فيه قصّة واحدة، هي قصّة خليل قبل وفاة زوجته وبعدها. لكن استقلالية فصول الكتاب الثمانية والعشرين عن بعضها بعضا، وحمْل كل منها عنوانا مختلفا، وانعدام أي تتابع أو ترابط جلي بين الأحداث المسرودة فيها، يجعل من الكتاب أيضا كناية عن مجموعة قصص قصيرة جدا يُمكن قراءتها دون الترتيب الذي تحضر فيه.وفي حال أضفنا القرابة الشديدة بين شخصية خليل وأصلان -الاثنان اشتغلا في مركز البريد قبل أن يتوقفا عن العمل لأسباب صحية، وعاشا معظم سني عمرهما في حي إمبابة- لتبيّن لنا أيضا بُعد السيرة الذاتية الذي يتحلى به هذا النص.وفي الحقيقة، ينتمي كتاب أصلان إلى جميع هذه الأنواع الأدبية، وفي الوقت نفسه لا ينتمي إلى أي منها. والتصنيف هو مسألة لا تعني الكاتب بقدر ما تعني الناقد الذي يبحث دائما عن زاوية سهلة للإمساك بالعمل الأدبي الذي يقرؤه والتحدّث عنه. أكثر من ذلك، يشكل خروج الكاتب عن الأنواع الأدبية التقليدية إبداعا يفتح فيه لنا أفقا جديدا للكتابة، وهو ما أنجزه أصلان في هذا الكتاب على أكمل وجه.فقد ابتكر الكاتب في هذا النص الشكل الأنسب والأكثر فعاليّة لمعالجة موضوعه الرئيسي، أي الشيخوخة التي لا مفرّ منها. وفي هذا السياق جاءت فصول كتابه على شكل لقطات يومية تعكس استقلاليتها حالة تصدّع الزمن والضياع التي يعيشها الإنسان في نهاية عمره.وفي السياق نفسه، جاءت لغة أصلان بسيطة لا تغرق في البلاغة والمحسّنات اللفظية، وأقرب إلى العامّية دون ابتذال، وقادرة أكثر من غيرها -بفضل بساطة أسلوبها وانعدام التكلف فيها- على استحضار مناخ عالم الشيخوخة برتابته وفقدانه وهج الأمل في الغد والطموح.وفي النتيجة، يتمكن أصلان من إشعارنا من خلال وسائل شكلية وسردية مختلفة، بملل يجعلنا في أوّل الأمر نحكم سلبا على الكتاب قبل أن يتبيّن لنا أن الأمر مقصود، وغايته إيصال حالة الوحدة إلينا والفراغ الذي يتخبّط فيهما خليل داخل شقّته.حالة تجعله يتوهّم أشياء لا صحة لها تضفي نوعا من الطرافة على النص، كتوهّمه بأن إحدى ساقيه أكثر طولا من الأخرى، أو تساؤله لدى ملاحظة الفارق المتزايد في الطول بينه وبين ابنه، إن كانت قامته هي التي تقصر أم أن قامة ابنه هي التي تكبر، أو محاولته الاستفسار من صديقه الصيدلي عن جدوى الأشعّة المقطعية لمعالجة الشعور الغريب الذي يشعر به في رأسه ويجعله يفقد أحيانا توازنه.لكن جهد أصلان لا يقتصر على تجسيد واقع الشيخوخة الحزين وعوارضها، فنصّه ينم عن رقّة وإنسانية كبيرتين تتجليان في علاقة الألفة التي تجمع خليل بزوجته أو بمحيطه، كما ينمّ عن مهارات تقنية وكتابية مختلفة، كرسْم الكاتب البارع لشخصيّاته التي يستقيها من حي إمبابة الذي عاش فيه، وتصويره أزقّة هذا الحيّ وشوارعه بدقّة تجعلنا نتعرّف جيدا إليه ونتنقّل داخله.ولا يهمل أصلان سلوكيات أبناء مجتمعه ونفسيّاتهم وعاداتهم التي نستشفّها من تصرّفات ومواقف شخصياته، بدءا بخليل المرهَف وزوجته ذات الشخصية القوية الساخرة، مرورا بأصدقائه وأقاربه وجيرانه، وانتهاء بالبوّاب الخمول الذي يمضي وقته نائما ويتجنّب أي اتّصال بسكان العمارة التي يعمل فيها. وليست مصادفة أن تنتهي هذه "المتتالية" بقصّة تحمل عنوان "أوّل النهار"، وقبلها "آخر الليل"، فأصلان أراد بذلك الشهادة على إمكانية تجدّد الحياة، حتى على عتبة الموت، وبالتالي التعبير عن تفاؤل مؤثّر بالعالم والإنسان.

emiratesvoice
emiratesvoice

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حجرتان وصالة الحياة على عتبة الموت حجرتان وصالة الحياة على عتبة الموت



GMT 01:28 2023 الثلاثاء ,03 كانون الثاني / يناير

"أنت تشرق. أنت تضيء" رشا عادلي ترسم لوحة مؤطرة

GMT 05:28 2022 الثلاثاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حسن خلف يصدر دراسة أسلوبية لسورة القمر

GMT 01:16 2021 الإثنين ,29 آذار/ مارس

حكايات من دفتر صلاح عيسى في كتاب جديد

GMT 00:28 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

"بنات كوباني" كتاب أميركي عن هزيمة "داعش"

GMT 12:02 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

67 كتاباً جديداً ضمن "المشروع الوطني للترجمة" في سورية

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - صوت الإمارات
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 19:18 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
 صوت الإمارات - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 19:21 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد
 صوت الإمارات - أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 08:38 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 05:21 2015 الأربعاء ,11 شباط / فبراير

افتتاح معرض "ألوان السعودية" المتنقل في جدة

GMT 07:14 2015 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

الرميحي يزور جناح دولة قطر في معرض "اكسبو 2015"

GMT 20:48 2013 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

برنامج جديد فى إذاعة الشرق الأوسط عن التعديلات الدستورية

GMT 13:26 2015 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

مقهى ثقافي ومسابقة تصوير في معرض كتاب شرطة دبي

GMT 11:40 2015 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

"أبوظبي للسياحة" تنظم معرض "ميادين الفنون"

GMT 07:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

جبل بوزداغ من أروع المناطق السياحية للتزلج

GMT 05:28 2016 السبت ,27 شباط / فبراير

HTC تنشر أول صورة تشويقية لهاتفها المرتقب One M10

GMT 11:02 2013 الجمعة ,28 حزيران / يونيو

بحث تطوير مشروع جامعة عمان مع كامبريدج

GMT 03:34 2015 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

معرض جدة الدولي للكتاب يستقطب أكثر من 600 ألف زائر

GMT 08:27 2015 الأحد ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميثاء الخياط تعرّف الأطفال بطرق قص مبتكرة في "الشارقة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates