ملكوت هذه الأرض وظلال التاريخ
آخر تحديث 16:46:38 بتوقيت أبوظبي
 صوت الإمارات -

"ملكوت هذه الأرض" وظلال التاريخ

 صوت الإمارات -

 صوت الإمارات - "ملكوت هذه الأرض" وظلال التاريخ

الدوحة ـ وكالات

يذكر "طنوس" بطل رواية "ملكوت هذه الأرض" رحلته جيدا وقد تفتحت على سيرة صبي يشاهد مأساة أبيه "المزوق" ولا يملك دفعا لموت يحيق به في ليلة ثلج قاسية، يصر الوالد على رجوع الفتى إلى الضيعة ويستسلم هو لقدره ليبقى الجسد هناك نهشا للضباع، بينما صدى كلماته الأخيرة ورحلة عذابات طويلة ماثلة لدى طنوس. من يومها والفتى يبحث عن روحه التي ضاعت هناك ولا يجدها. جاب الدير يبحث عن قديس يجعله قديسا كما جده، وليرتحل في أماكن كثيرة، بيد أنه في الخاتمة وكما بدأ سيناريو الرعب تمضي حياته مثل بغلة أبيه -في تلك الليلة المأساة- تسير المنحدر باتجاه النهاية.تلك لمحة من سيرة بطل في عائلة المزوق في رواية هدى بركات. العائلة التي تتوسل من خلالها الروائية اللبنانية عرض حكاية قرية لبنانية في زمن غابر في عشرينيات القرن الماضي، مرورا بحروبه الأهلية، وصولا إلى حادثة حافلة "عين الرمانة" أواسط السبعينيات التي أشعلت فتيل الحرب الأهلية في لبنان.لا تقصد بركات -في عملها المرشح ضمن قائمة بوكر الطويلة- رواية تاريخية، وتحذر القارئ من تأويل متعسف يحمل الرواية إلى هكذا منحى، لكن التاريخ يحضر، إذ لا حكاية عن الماضي دون ظلال التاريخ، لكنه تاريخ حكاية لا بعيون موثقين تاريخيين ولكن بما ترويه عائلة المزوق "طنوس وسلمى ونبيهة وسلمى، وفريطسة الذي يقضي في حادثة الباص الشهيرة، وفي حكاياتهم التقاطة مخيلة روائية عن الضيعة وبيروت وحلب ومصر أيضا".تتدفق بركات وقد اختارت "عامية" لبنانية تلائم شخوصها وأصواتهم، وتعسر أحيانا على القارئ بمفرداتها المحلية، لكن الكاتبة التي تحكم صنعتها تعرف أنها تشده لمتابعة رواية يختلط فيها التاريخ بالمخيلة والواقعية بالسحرية، ومع تلك الصنعة إشراقات اللغة وجدل محاكمة واقع كما كان لكن على لسان الشخوص.تفتح بركات مشهديتها على موت "المزوق" أب العائلة الصغيرة وسليل عائلة المزوق الكبيرة، حيث الكل عشاق أوفياء لزوجاتهم اللواتي متى مِتنَ بكى الأزواج كمدا وحزنا حتى لحقوا بمن يحبون، وفي تداعيات ذاكرة الرجل الذي يحتضر تتدفق حكايات عن سجنه وعلاقته بالعائلة وعن نبعه الذي روى به أرضا رغم أنف السلطة."سابا" الابن الأكبر، وهو نموذج المعتل صاحب الصوت العالي والأفعال الصغيرة، وطنوس محور الرواية وسلمى شخصية نسوية عامود من أعمدة الرواية والبنت التي تبقى بلا زواج لتنخرط في مشروع العائلة العام ويذوي جسدها بحكم العنوسة.وبين شخصيات الرواية الخال شحادة، شخصية طريفة تبحث عن ذاتها وتشغفه الممثلة المصرية "هند رستم" ويعاني من الفشل، وهو يقترح أنموذجه للتعايش في "الهيبيين" الأديان واحدة والرب واحد.يملأ طنوس الرواية بصوت شجي، سحر به رهبان الدير الذين التقوه أولا في رحلة الهروب نحو "القديسية". وفي رحلته الطويلة قبل أن يلجأ إلى حلب يكون شاهدا مع شقيقته سلمى على مقتل جندي فرنسي، ولتكون المدينة السورية فضاء لخروجه من عزلته الفكرية والجسدية ومجالا رحبا للقاء مع المختلف.وحلب التي لو لم تكن مكانا موظفا لغايات عمل روائي لجنح التأويل إلى القول إن بركات تقدم مرافعة عن تسامح البلد الغارقة الآن في دمها، وتدفع التهمة عن حرب طوائف فيها.هناك المدينة التي يقصدها المطربون "ليعمدوا أصواتهم" يقرأ "طنوس" المسيحي القرآن، ويتعرف على منشدي حلب وقدودها ويصدح صوته في مقاهي المسلمين، أبعد من ذلك لمحة خاطفة حين تصبح فاطمة (المسلمة) صورة الحبيبة المسيحية.هذا جدل يفتح النقاش على صورة الآخر. لكن قراءة عجولة ستتحدث فقط عن علاقة المسلم بالمسيحي أو حتى المسيحي بالمسيحي، وتصف العلاقة مع الآخر. في تلك اللقاءات حكاية عن مختلف مع مختلف معه، ولقاء مع ذلك الآخر، الفرنسي تارة والأميركي تارة أخرى، كما في سجن "سابا" بأميركا.يحضر في الرواية أيضا الصراع مع "إسرائيل" وحرب عام 1967، وكيف تلقاها أهل الضيعة، وثمة آراء مختلفة كثيرة كل يدلي بها بحسب خلفيته.في روايتها تفيض بركات في معمارها الروائي، وتتنقل في سردها بضمائر مختلفة في فقرات تجمع الأساليب معا تسرد "بالغائب" والمخاطب" والمتكلم، وتمتحن صبر القارئ وتركيزه، وفي حواريات وسرد كثير يكاد يضيع على القارئ صوت المتكلم، هو سرد متقطع تمسك ساردة مقتدرة بخيوطه جيدا، ومعها القارئ أيضا يتأمل فنا عاليا حاملا لحكايات أخاذة بألمها وإشراقاتها وتجلياتها.

emiratesvoice
emiratesvoice

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ملكوت هذه الأرض وظلال التاريخ ملكوت هذه الأرض وظلال التاريخ



GMT 01:28 2023 الثلاثاء ,03 كانون الثاني / يناير

"أنت تشرق. أنت تضيء" رشا عادلي ترسم لوحة مؤطرة

GMT 05:28 2022 الثلاثاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حسن خلف يصدر دراسة أسلوبية لسورة القمر

GMT 01:16 2021 الإثنين ,29 آذار/ مارس

حكايات من دفتر صلاح عيسى في كتاب جديد

GMT 00:28 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

"بنات كوباني" كتاب أميركي عن هزيمة "داعش"

GMT 12:02 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

67 كتاباً جديداً ضمن "المشروع الوطني للترجمة" في سورية

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates