القاهرة ـ أ ش أ
صدرت عن دار "آفاق" أحدث روايات الكاتب المصري والمترجم الشاب أحمد عبداللطيف بعنوان "كتاب النحات"، حيث يؤسس الكاتب لعالم لا يحاكى إلا نفسه بساقين مغروستين في الأرض الزلقة للمثيولوجيا الإنسانية، في لحظتها القابلة، أبدا، لإعادة التملي: قصة الخلق.
يخلق صاحب "صانع المفاتيح" و"عالم المندل" قصة خلق تخصه، وتليق بتجربته وتصوره للفن، مؤسسا للعالم وفق شرطه الجمالي، وليس كمحض انعكاس لأي مرجعيات جاهزة تقع خارجه.
كتاب النحات، ليست مجرد رواية جديدة للكاتب المتوج مؤخرا بجائزة الدولة التشجيعية في الرواية، فالكاتب المصري الملفت يحيك قصة غير مسبوقة، بطلها نحاتٌ متوحد وجد نفسه في جزيرة يعوزها الخلق. يستعير النحات شخوصه من أفكاره وتصوراته، تلك القادمة من ظلال شخوص حيواته السابقة، ليصنع تماثيل من الطين لن تلبث أن تتنفس، صانعة ملحمة هذه الرواية الفارقة في الرواية العربية الجديدة. ففي المسافة الملتبسة بين الإله والمبدع والبطل الضد، يغزل بطل النص حيرته، التي لن تلبث أن توزع على شخوص يديه.
تتوسل الحكاية لتدشين عالمها بأكثر من مستوى لغوي، وبتعدد ثري في أصوات شخوصها المتشابكة، وفوق ذلك، باستفادات عميقة من موروث المخيلة الإنسانية ونصوصها الكبيرة لخلق عالم حكائي عجائبي، يبقى قادرا على الإحالة للأسئلة المصيرية التي عرفها الإنسان: الحب والموت، الزمن وماهية الإله، وفوق ذلك: الذات الإنسانية في هشاشتها وهزيمتها حتى لو اتحدت بالمطلق.
رواية جديرة بكاتب اختار أن ينزاح عن الوصفات المبذولة للسرد السهل، تكشف ركنا جديدا من أركان مشروعه الروائي المختلف، حيث الأفكار تسبق العالم في ذروة خوائه، والخيال يقرأ الواقع في أشد التباساته.
ويقول الروائى الشاب طارق إمام حول رواية "كتاب النحات" إن كتابات أحمد عبداللطيف، يحمل البطل على الدوام ملمحين:إنه بالضرورة مفارق، سواء انطوى على موهبة فائقة لا يتمتع بها الآخرون، أو افتقر تماما للموهبة بما يجعله أيضا مفارقا للآخرين.
أما الملمح الثاني فهو أن البطل في كتابة عبداللطيف قادم مباشرة من العزلة والاغتراب، حتى يكاد يكون تحققا فنيا للفردية في شكلها الأفدح.كان "صانع المفاتيح"، في الرواية التي حملت نفس العنوان، شخصا وحيدا، وموهوبا استثنائيا على هامش بلدة غارقة في الاعتياد، وكانت فتاة "عالم المندل" قبيحة حد أنها نتوء حقيقي في نسيج العالم الأنثوي.
وتابع: لن تجد في نصوص أحمد عبداللطيف مكانا مسمى يمكن العثور عليه مباشرة في الواقع، وبقدر ما يتأسس المكان (مدينة، قرية، جزيرة) بملامح خاصة تمنحه قوامه وكثافته، فإنه يظل عصيا على إحالة مرجعية سهلة الفض.
وقال إمام لا تحاول في العالم السردي لأحمد عبداللطيف أن تصر على تحديد اللحظة التاريخية بوضوح، فلن يمكنك ردها لسياق تاريخي بعينه يمكنك عبره البحث عن ظلال جاهزة للحكاية تقع خارجها.
وأضاف، وفي "كتاب النحات"، رواية عبداللطيف الجديدة الصادرة عن دار آفاق، نرى تمديدا لهذه الخيوط، في سياق نص أكثر تعقيدا من سابقيه، لغويا ورؤيويا.
هذه المرة، البطل نحات، خالق بمعنى ما، غير أن المكان نفسه يجري تأسيسه عبر الحكي بحيث نجد أنفسنا أمام جزيرة، هي أقرب ليابسة مهجورة تنتظر الخلق. هنا لن يكون البطل فحسب هامشا على متن العالم، لكنه الهامش الذي يبتلع العالم ليصير هو العالم.
ولأنه نحات، فعمله يقوم على محاكاة الشخوص التي عرفها، ليعيد تشكيلها من الصلصال، وما تلبث المخلوقات أن تتحرك، تخطو في عالمها الجديد محملة بمواريث عالمها الأول، المتروك. لكننا في الوقت نفسه أمام "كتاب" حيث لا يكتفي النحات بصب خيالاته، بل يلجأ لكتابتها. إنه تصور كبير يمسك بما تطرحه الرواية من تصورات، حيث "النحت والكتابة وجهان لنفس العملة، جسد وروح.. مامن ذكرى تأتي إلا بصحبة عبارة. كلنا في نهاية الأمر، محض عبارة مستقرة في ذهن أحد".
أرسل تعليقك