كانبيرا ـ ريتا مهنا
كانبيرا ـ ريتا مهنا
تقع مدينة بروم الأسترالية على حافة صحراء الرمل الكبرى وهي بلدة نائية للغاية، تمر بموسمين فقط وهما الموسم الرطب الذي يصعب تحمله والموسم الجاف الأكثر اعتدالًا، ولكنها تستحق الزيارة للكثير من الأسباب . سُمِّيت بروم النائية تيمنًا باللواء فريدريك نابير بروم حاكم استراليا الغربية، ولكنه لم يعجب بالأمر وطلب تغيير اسمها إلى شيٍء آخر في عام 1885، وهو أمر غير مفهوم، ولكنه لم يكن يعلم أن البلدة الصغيرة الواقعة في منطقة (شمال استراليا الغربية ) ستصبح يومًا ما عاصمة الأمة لصيد اللؤلؤ وملجأ لسياح القرن الحادي والعشرين.
ويعد شاطئ العراة من أحد الأسباب الداعية لزيارة بروم؛ وهو الأطول في استراليا، وطرفه الشمالي عبارة عن جدول يدعى ويلي كريك، كما أن مدينة بروم موطنًا لسلسلة المجوهرات لينيز التي تزينت بلآلئها ميشيل أوباما وجيري هول وكايلي مينوج؛ التي تمثل بالنسبة لاستراليا ما كانت تمثله الملكة ماري لاسكتلندا، فمن المستحيل تقريبًا أن تجد منزلًا اسكتلنديًا كبيرًا قديمًا لا يتفاخر بزيارة الملكة له، ويبدو أن الأمر ينطبق على كايلي أيضًا بالنسبة إلى كل فنادق ومتاجر أستراليا الفخمة.
ولكن على كل من يذهب إلى بروم زيارة لينيز، وينطبق هذا على الرجال والنساء على حد سواء، فهناك حملة في استراليا لتسويق اللآليء للرجال، في هيئة قلادات من النيوبرين الأسود وبكل منها جوهرة واحدة.
و يظهر في متحف قوارب صيد اللؤلؤ تاريخ صناعة صيد اللؤلؤ التي بدأت في الستينات من القرن التاسع عشر حين أدرك المستوطنون البيض الرغبة في بطانة قواقع المحار البرّاقة ؛ وهي الصدف. وسرعان ما استخدمت في أميركا وأوروبا لصناعة الأزرار وأصبح خبراء صيد اللؤلؤ الأكثر ثراءً في المنطقة، وكما ازدهروا ازدهرت مدينة بروم أيضًا؛ فكانت هي المدينة المبنية على الأزرار.
كما بُنيت المدينة أيضًا على الشقاء؛ فقد كان يتم استغلال السكان الأصليين ليعملوا كغواصين من دون أجرة وإذا فشلوا في جلب المحار كان عليهم أن يجلبوا حفنة من الرمال على الأقل لإثبات أنهم قد جابوا قاع المحيط، وإذا لم يفعلوا ذلك كانوا يتعرضون للضرب، وعلاوة على ذلك حين اكتشف قادة مراكب صيد اللؤلؤ أن النساء الحوامل من السكان الأصليين يمكنهن حبس أنفاسهن لمدة أطول من معظم رجالهم، فقاموا بإرسالهن إلى البحر أيضًا.
وتولى المهاجرون اليابانيون تدريجيًا مهام الغوص من الاستراليين الأصليين، وبحلول العام 1913 كان نصف سكان بروم من اليابانيين.
اهتزت صناعة صيد اللؤلؤ في بروم بسبب حدثين كبيرين؛ وهما الحرب العالمية الثانية حين تم إرسال الغواصين اليابانيين إلى معسكرات الاعتقال، واختراع البلاستيك الذي دمّر سوق الصدف.
ثم تحول الانتباه إلى اللؤلؤ المزروع ونشأت مزارع اللؤلؤ بالاستفادة من حقيقة كون محار اللؤلؤ يزدهر في مياه المنطقة الشبه استوائية، وكانت مزرعة كوري باي أحد تلك المزارع؛ وهي تبعد أكثر من ساعة جوًا إلى الشمال عن بروم، وتأسست في عام 1956 على يد صائدي اللؤلؤ اليابانيين.
فإن الرحلة بالطائرة إلى كوري باي تمنحك إطلالة مثالية على الساحل المدهش، تتصل آلاف الأميال من المناطق النائية بصعوبة بالمحيط الهندي في شكل مئات من الخلجان الرائعة والشواطئ والجزر، والتي لم تطأها قدمٌ من قبل تقريبًا، فمن الصعب تحمل عزلة كوري باي المحيرة، ويبعد أقرب تجمع سكني مائة وخمسة وثلاثة ميلًا؛ وهي مدينة ديربي التي يصل عدد سكانها إلى ألفي شخص، ويأتي مرة أو مرتين في العام اثنان يديران محطة نهرية معزولة على بعد مائة وتسعين ميلًا إلى الشمال بحجة نفاذ بعض الأطعمة أو غيرها، ولكن سرعان ما يتضح أن السبب الحقيقي لمجيئهم هو الرغبة في التحاور.
وتم تحويل كوري باي إلى فندقٍ جميل بعد أن كانت مزرعة للؤلؤ حتى شهر ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، وعلى الرغم من تغيير مقرات طاقم العمل القديم بشكل أنيق إلا أنه يظل هناك إحساسًا بأن صائدي اللؤلؤ كانوا ينامون في تلك الحجرات فيما مضى، والطائرة المائية هي الوسيلة العملية الوحيدة للوصول إلى كوري باي، وهي مغامرة بالطبع، فكانت هناك أسماك القرش والتماسيح والثعابين الودودة وقناديل البحر ذات مجسات يصل طولها إلى ثلاثة عشر قدمًا، كما توجد أيضًا مجموعات رائعة من الطيور.
ويطل الفندق على منطقة كامدين ساونج؛ وهي أحد أكبر أماكن الولادة للحيتان الحدباء في العالم، حيث يذهب ما يقارب عشرين ألفًا إلى هناك من إنتاركتيكا في شهر أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول من كل عام. وفي تلك الأثناء أصبحت الهجرة البشرية من المملكة المتحدة أكثر سهولة الآن بعد أن بدأت الخطوط الجوية السنغافورية خدمة رحلات منتظمة من لندن إلى داروين.
إن داروين هي أقرب مدينة إلى كمبرلي ولكن بالطبع القرب مصطلح نسبي هناك، وبالاتجاه شرقًا ستجد طريق نهر جيب الذي يصل طوله إلى أربعمائة ميلًا، وتوجد هناك حديقة الكويسترو El Questro البرية التي تمتد إلى أكثر من مليون فدانًا، ويوجد هناك فندق هومستد؛ وهو فندق ذو خمسة نجوم ويقع على جرف مدهش يطل على نهر تشامبرلين.
ويمكنك البقاء داخل حدود فندق هومستد ولكن تجبرك هذه الطبيعة البرية على الخروج، فيمكنك السير في ممر الكويسترو بصحبة المرشد وببغاء الككتوه ذي العرف الأصفر.
حين قام العلماء باختبار المياه في ممرات الحديقة الثلاث لأول مرة اعتقدوا أن معداتهم مخطئة، فقد كانت المياه أكثر نقاءً من المياه المعبأة، وتلزمك اللافتة التي تقول "لا تأخذ شيئًا سوى الصور، ولا تترك شيئًا سوى آثار الأقدام" بإبقائها على هذا الحال.
تشير التقديرات إلى أن الجدران الحجرية الرملية للممر تعود إلى مليار وثمانية ملايين عامًا، ولا توجد بها حفريات لأن هذا الصخر الذي يعتبر من بين أقدم الصخور بالعالم يسبق الحياة التي نعرفها، تستحضر كمبرلي بطريقة ما الإحساس بالتاريخ وبما قبل التاريخ، وبالجغرافيا أيضًا، فهناك ينابيع زبيدي؛ وهي سلسلة من برك السباحة الساخنة الطبيعية التي يغذيها صدع عميق في الأرض يمتد من بابوا غينيا الجديدة، إن كمبرلي واحدة من أقل المناطق من حيث الكثافة السكانية على الكوكب؛ حيث يعيش أقل من خمسين ألف شخصًا في منطقة تساوي ضعف حجم ألمانيا، ولم يعبث بها الكثيرون، حيث لم يترك الجنس البشري أثرًا دائمًا فهي مدهشة مثل الظواهر الطبيعية.
وبالقرب توجد بحيرة آرجايل الصناعية التي أقامها البشر في السبعينات والتي تغطي مساحة ما يقارب من أربعمائة ميلًا مربعًا، وهي ليست ملائمة للسباحة حتى وإن لم تكن موطنًا لثلاثين ألف تمساحًا تقريبًا.
ثم هناك قباب "بانجل بانجل" الحجرية الرملية في حديقة بورنولولو؛ وهي قباب حجرية رملية برتقالية ورمادية، ولهذا أسباب جيولوجية معقدة تتعلق بأكسيد الحديد، اكتشفت قباب "بانجل" منذ أقل من ثلاثين عامًا، حيث كان هناك طاقمًا تليفزيونيًا يقوم بتصوير عجائب استراليا الغربية في عام 1983 في حانة في بلدة صغيرة نائية حين تمهل طيار المروحية وأشار إلى التكوين الصخري الغريب، فإذا لم يكن قد فعل ذلك كانت ستظل عجائب استراليا لا تتضمن أكثر العجائب عجبًا على الإطلاق، ثم أدمجت قباب "بانجل" على الفور في حديقة بورنولولو الوطنية، ولكن لا تزال شهرتها محدودة تمامًا مقارنةً بالأجزاء الواقعة في أماكن أخرى من الأرض، حيث أن تسعين بالمائة من الزوار من الاستراليين، وحتى بين الاستراليين فإن أعداد الزوار ضئيلة، ويرجع ذلك من دون شك إلى المجهود الكبير في الوصول إلى هناك.
إن المجهود أكبر بالنسبة إلى البريطانيين ولكن الأمر يستحق للغاية، استغرق تكوين قباب البانجل عشرين مليون عامًا، وستزول في النهاية ولكن ليس قبل عشرين مليون عامًا آخرين.
معلومات بشأن السفر
تقدم شركة تايلور ميد للسياحة Tailor Made Travel (08454568050 - www.tailor-made.co.uk) رحلة شاملة لثمانية أيام مقابل 323,3جنيهًا إسترلينيا بما في ذلك رحلة جوية لستة أيام تجمع بين حديقة بورنولولو الوطنية وحديقة الكويسترو البرية، وليلتين في "بانجل بانجل"، وليلتين في ممر إيما بالكويسترو، والرحلات الجوية الداخلية ووجبة الإفطار بالإضافة إلى وجبتي الغداء والعشاء في "بانجل بانجل"، وليلتين في منتجع كابلبيتش في بروم، بالإضافة إلى الرحلات الدولية على متن الخطوط الجوية السنغافورية، ويتكلف العرض المماثل بالإضافة إلى إقامة في فندق هومستد بالكويسترو 363,4جنيهًا إسترلينيا. وتسير الخطوط الجوية السنغافورية ( 08448002380 - www.singaporeair.com ) رحلات يومية من هيثرو إلى سنغافورة، يبدأ ثمن تذاكر العودة من استراليا من ألف جنيهًا إسترلينيا.
أرسل تعليقك