أعلن عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة،الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، بأنه سيبذل الجهد اللازم، من خلال ما يتوفر لديه من كتب تاريخية قيّمة، للبحث عن إجابات حول الأسئلة التي ما زالت تدور في أذهان الباحثين حول عالم البحار العربي المسلم أحمد بن ماجد، حيث أن بعض الأبحاث احتوت على تزييف وبعضها ركيك، وتقول بعضها إن ابن ماجد من جلفار، وجلفار كانت مستعمرة أرمنية مغلقة لا يقيم فيه غير العرب، وكانت مسورة بشكل يمنع الآخرين من الدخول إليها.
جاء ذلك خلال مداخلة له في ختام ندوة حول العالم أحمد بن ماجد، نظمتها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو"، بالتعاون مع اللجنة التنفيذية لاحتفالات الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية، يوم أمس الأول الثلاثاء في معرض الشارقة الدولي للكتاب.
وشارك في الندوة التي أدارها الدكتور يوسف أحمد الحسن، كل من المدير العام المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "ايسيسكو" الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري،، ومدير مركز الدراسات الإستراتيجية في الكويت،الدكتور عبدالله يوسف الغنيم، ورئيس اتحاد المؤرخين العرب،الدكتور حسنين محمد ربيع، و، مدير جامعة الشارقة الدكتور حميد مجول النعيمي.
وعبر د. عبد العزيز التويجري في كلمته أن الاحتفاء بذكرى الملاّح العربي أحمد بن ماجد يُعبّر عن الاهتمام البالغ بتجديد الصلة بأعلام الحضارة الإسلامية، وبتخليد ذكراهم العطرة لتبقى مشاعل منيرة تضيء الطريق أمام الأجيال الجديدة.
وأشار التويجري إلى أن ابن ماجد خلّف لنا وللإنسانية جمعاء، ذخيرة غنية من المؤلفات العلمية الدقيقة الرائدة عن البحر وفنون الملاحة وعن القياسات الفلكية المتقنة، حيث كان رائدًا في هذا المجال لا نظير له في التاريخ العربي الإسلامي، ولا مثيل له فيما تلك المرحلة التي عاش فيها إلى القرن الثامن عشر.
وذكر التويجري أنّ شهرة هذه الشخصية العربية الفذة، بلغت درجة أن اهتمت بها دوائر المعارف العالمية، والجامعات، ومراكز البحوث والدراسات، والدورات المتعاقبة للمؤتمر الدولي لتاريخ علوم البحار، الذي احتفى به، ودرس آثاره، واعترف له بالسبق في تأصيل علوم البحار، وبالريادة في تطوير العناية التطبيقية بالملاحة البحرية. مشيرًا إلى أن اهتمام الأوساط الأكاديمية بابن ماجد يبعث في نفوسنا الفخر والاعتزاز بالعطاء الزاخر الذي قدمته الحضارة الإسلامية للإنسانية جمعاء.
وقال التويجري: "لقد اعترف أهل العلم والمعرفة من مختلف الدوائر العلمية والمحافل الأكاديمية، بأن مؤلفات ابن ماجد وسليمان المهري الذي جاء من بعده، تعدُّ في جملتها، وثيقة مهمة تلخص لنا التراث الملاحي في المحيط الهندي في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين، ليس فقط بالنسبة للتجربة العربية الإسلامية، بل أيضًا لتجارب الفرس، والهنود، وأهل جاوة وساحل الزنج، أي أفريقيا الشرقية".
وبيّن التويجري في كلمته أنَّ الاتهامات الباطلة التي روجتها بعض المصادر التاريخية من أن ابن ماجد أرشد فاسكو دا جاما في رحلته من مالندي في الساحل الشرقي لأفريقيا إلى الهند عام 1498، قد تم تفنيدها من قبل الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي في رسالته العلمية الموثقة التي عنوانها "بيان للمؤرخين الأماجد في براءة ابن ماجد" حيث أثبت بالأدلة القاطعة أن من أرشد فاسكو دا جاما هو هندي غجراتي مسيحي اسمه كانكا.
من ناحيته، تناول د. عبدالله الغنيم بعض المخطوطات التي تدور حول أحمد بن ماجد ونشرها في كتابه "المخطوطات الجغرافية العربية في مكتبة البودليان، جامعة أكسفورد"، مؤكدا أن تراث العالم أحمد بن ماجد يعد إرثًا مشتركًا لكل أبناء الجزيرة العربية، إذ ساعدت أعماله اقتصاد الخليج العربي، وساحل عُمان، والبحر الأحمر، وكانت شعوب هذه المناطق على درجة من اللُحمة والتمسك بينهم لمواجهة المستعمرين والغزاة.
وأشار الغنيم أنّ الكتاب الشهير لأحمد بن ماجد "الفوائد في أصول البحر والقواعد" يعتبر من أبرز الكتب في العلم البحار، وفيه يصف المؤلف هذا العلم بأنه من العلوم المضبوطة العقلية التي تمكن الربان من الوصول إلى البلد المطلوب دون ميل أو انحراف، كما تعرف به خطوط الطول والعرض، ومنها يمكن تحديد القبلة ومواضع البلدان بالضبط، ويقتضي ذلك معرفة الربان بالنجوم الملاحية، وطرق رصدها بدقة وتقسيم الرياح ومعرفة الاتجاهات، وكذلك مواسم السفر الملائمة وفقًا للرياح، والتيارات من وإلى الموانئ المختلفة.
وأضاف الغنيم إلى أنّ ابن ماجد تمكن من وضع الأسس لعلم البحار، من خلال تناوله للكثير من المواضيع المرتبطة بهذا العلم الواسع، ومن بينها ما يسميه بعلم الإشارات، ويقصد بها معالم السواحل والجزر وخصائص المياه وطبيعة القاع وقدرًا من المعلومات عن الأسماك والطيور وحشائش البحر التي تعين الربان على التعرف على السواحل المختلفة.
وتابع الغنيم أنه نتيجة لهذه المعارف المهمة في علم البحر، فقد احتفظت مصنفات ابن ماجد بقيمتها ومكانتها، برغم ظهور عدد من الربابنة والمعالمة العرب بعد وفاة أحمد بن ماجد، وعلى رأسهم سليمان بن أحمد المهري، الذي وضع عدداً من المؤلفات في مجال الإرشاد الملاحي، أكبرها كتابه "العمدة المهرية في ضبط العلوم البحرية".
وطالب الغنيم بتشكيل لجنة علمية مختصة، تجمع أعمال ابن ماجد، وتعيد النظر في الدراسات السابقة وتحليلها، وتستقصي فهارس المخطوطات في مختلف أنحاء العالم، وجمع كل ما له علاقة بالملاحة العربية، مؤكدًا أن ذلك قد يؤدي إلى العثور على مزيد من أعماله، هو أو غيره من رواد البحر الأوائل.
وتحدث أ. د. حسنين محمد ربيع عن جوانب مختلفة من حياة وأعمال أحمد بن ماجد، وأكد أنّ هذا العالم الكبير ظُلم مرتين، حيث أهملت ذكره وأعماله المصادر العربية الكبرى في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)، ولم يرد عنه شيء مهم يعطيه حقه في مخطوطات جزيرة العرب التي تعود إلى عصره، مشيرًا إلى أنه لم ينصف إلا في السنوات الأخيرة، وفي مقدمة من تصدى لهذه المهمة النبيلة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في كتابه "بيان للمؤرخين الأماجد في براءة ابن ماجد".
وأرجع د. ربيع إهمال المؤرخين العرب والمسلمين في الكتابة عن ابن ماجد واختراعاته، واكتشافاته، وأدبه، يرجع كذلك إلى إنشغالهم بالتدوين التاريخي للحملات الصليبية المتأخرة، وبداية ظهور المستعمرات للدول الغربية في شرق أفريقيا وغربها وشمالها، وصولاً إلى الهند وما جاورها من البلدان. مضيفًا أن البحارة البرتغاليين تأثروا كثيرًا بعلوم ابن ماجد البحرية، وأطلقوا عليه لقب "أمير البحار"، كما أنه رسم الكثير من الخرائط البحرية، أثناء رحلاته العديدة إلى شرق أفريقيا، وجنوب شرق آسيا، والهند، والصين.
وكشف أن ابن ماجد ترك إرثًا هائلاً من العلوم والمعارف والأدب، تتنوع بين نثر وشعر، ويعد من رواد الشعر العلمي والملاحي، حيث ألف أراجيز شعرية، تحوي الكثير من علوم ومعارف الملاحة، لخص فيه خبراته الواسعة في أعالي البحار، كما ورد في نونيته الكبرى, مختتمًا مداخلته بالتأكيد على أن تصدي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، للافتراء الذي لحق بابن ماجد، أسهم في إبراء ذمة عالم البحار من مذمة إيصال البرتغاليين إلى الهند.
وأشار أ. د. حميد النعيمي في مشاركته إلى أن ابن ماجد يعد من أوائل البحارة الذين كان لهم أثر كبير في معرفة الرياح الموسمية في المحيط الهندي، وبرع في الجغرافيا والفلك ودراسة النجوم، وكتب عنه علماء ومؤرخون عرب وأجانب كثر، ونظم قواعد علم البحار في تصانيف محددة، آخذًا بمبدأ الملاحظة والتجربة، مضيفًا أنه أول من وضع تعبير علم البحر أو علم البحار، وأول من دعا إلى تثبيت إبرة المغناطيس على محور السمكة، وتمكن من تحديد القبلة اعتمادًا على قبضة اليد والذراع الممدودة في حالة غياب البوصلة.
وأضاف النعيمي: "يمكن القول أن الفلكيين والبحارة العرب والمسلمين وخصوصًا الخليجيين أبدعوا في استخدام الأجهزة الفلكية في الملاحة البحرية، واعتمدت فنونهم البحرية على قوة الرياح ومواقع النجوم، واكتشفوا الرياح الموسمية الجنوبية الغربية التي تهب في الصيف، وما نجده اليوم من أجهزة فلكية ورصد للماحة البحرية والجوية اعتمد أساسًا على ما ابتكره علماء المسلمين خلال الفترة الواقعة بين القرن التاسع ومنتصف القرن الخامس عشر".
وحضر الندوة رئيس مؤسسة الشارقة للإعلام، رئيس اللجنة التنفيذية لاحتفالات الشارقة عاصمة الثقافة الإسلامية، الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي، ورئيس هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير "شروق"،الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، ورئيس دائرة الطيران المدني، الشيخ خالد بن عصام القاسمي، ورئيس مكتب الحاكم،الشيخ سالم بن عبدالرحمن القاسمي، ورئيس دائرة الثقافة والإعلام عبدالله محمد العويس، ورئيس الوزراء المصري الاسبق،الدكتور عصام شرف، ووزير الثقافة المصري السابق،الدكتور محمد صابر عرب، ووزير الخارجية المصري الأسبق،أحمد أبو الغيط، و مستشار حاكم الشارقة، لشؤون التعليم العالي الدكتور عمرو عبد الحميد، والمستشار في الديوان الأميري، محمد ذياب الموسى و مدير مكتب المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) في الشارقة الدكتور عبيد سيف الهاجري،. ومدير معرض الشارقة الدولي للكتاب احمد بن ركاض العامري وعدد من ضيوف معرض الشارقة الدولي للكتاب.
أرسل تعليقك