أين مبادئ الواشنطن بوست

أين مبادئ "الواشنطن بوست"؟

أين مبادئ "الواشنطن بوست"؟

 صوت الإمارات -

أين مبادئ الواشنطن بوست

بقلم : عماد الدين أديب

من المذهل أن تفقد جريدة عظيمة مثل «الواشنطن بوست» حِرفيتها ومصداقيتها والتزامها المهنى بالدقة والموضوعية والتوازن.

هذه الجريدة ليست وليدة الأمس، بل تأسست عام 1877، أى منذ 141 عاماً مضت، قامت بالدرجة الأولى على خدمة قراء منطقة واشنطن العاصمة وولايتى فرجينيا وميرلاند، وتأسست على مجموعة من القيم والمبادئ النبيلة، حتى إن شعارها كان وما زال: «تموت الديمقراطية فى الظلام».

وتأتى قيمة «الواشنطن بوست» ليس فى حجم توزيعها فهو يبلغ 474 ألف نسخة فى العدد اليومى، ويبلغ ضعف هذا الرقم فى العدد الأسبوعى كل يوم أحد.

ومنذ يوم 2 أكتوبر الماضى، أى منذ يوم اختفاء الزميل جمال خاشقجى -رحمه الله- وهى فى حالة هياج وعصبية وتجاوز شديد فى مقالات الرأى، سواء الخاصة بمجموعة كتاب الجريدة أو بالضيوف، كما أنها لا تلتزم بأى قواعد من الدقة المهنية فى الأخبار الواردة حول حادثة الزميل خاشقجى، رغم أنها حادثة جنائية تنطبق عليها شروط تغطية الجرائم الجنائية التى تُدقق بها وسيلة النشر مائة مرة قبل نشر حرف واحد، حتى لا تتعرض للمساءلة القانونية.

ولكن الجريدة استباحت كل محرمات التجاوز الصحفى، وضربت عرض الحائط بمبدأ أن الصحافة تتحرى وتدقق وتكشف ولكن لا تُصدر أحكاماً نهائية وقاطعة وباتة فى مسألة جنائية ما زال التحقيق فيها سارياً والقضاء لم يصدر فيها أحكامه، بل إن المحاكمة لم تبدأ بعد. وقد يقول قائل إن الجريدة تتخذ هذا الموقف، لأن الزميل خاشقجى كان حتى مقتله كاتباً ملتزماً فى صفحة الرأى بها، وأنها حينما تدافع عن ضرورة الكشف عن مصيره فى البداية، ثم عن ملابسات قتله، وعن ضرورة معرفة تفاصيل مَن هو المسئول عن هذه الجريمة من الألف إلى الياء، فإنها بذلك صاحبة حق، وأنها تفعل ما يمليه عليها واجب المهنة والزمالة.

كل ذلك مفهوم. ويمكن أيضاً أن نضيف أن القصة كانت -وما زالت- هى الأكثر اهتماماً وانتشاراً على المستويين الشعبى والإعلامى فى الولايات المتحدة والعالم وعلى وسائل التواصل الاجتماعى، مما يجعلها «ملفاً ساخناً وشعبوياً» يجعل الجريدة وموقعها الإلكترونى مقروءاً بشكل كبير فى زمن تعانى فيه الصحافة الورقية، والسياسية منها على وجه الخصوص، من انخفاض فى التوزيع ونسبة القراء.

بعد ما سبق، نقول إن هذا كله لا يبرر خمس خطايا وقعت فيها الجريدة من ناحية مهنية محضة نقولها دون تسييس:

أولاً: تم وضع الرأى داخل الخبر، والمعروف أن ألف باء الصحافة الموضوعية البعيدة عن الإثارة هى فصل الخبر عن الرأى.

ثانياً: عدم الكشف عن معظم المصادر التى ادعت أموراً عديدة فى جريمة الزميل خاشقجى، وبقيت هذه المصادر مُجهلة أو مجهولة.

ثالثاً: الوقوع فى خطأ نشر تسريبات خاطئة يمكن أن نعدّدها باليوم والتاريخ والخبر، وعند اكتشاف كذبها رفعتها الجريدة من على الموقع، لكنها لم تلتزم بحرفية وأخلاقيات المهنة وتُصححها.

رابعاً: رفضت نشر الكثير من مقالات الرأى أو المعلومات التى تعكس وجهة نظر مضادة لمقالات الرأى التحريضية التى كانت تنشرها، وهو أمر مخالف لمبدأ الجريدة ذاتها.

خامساً: الاكتفاء دائماً بمصادر مضادة للسياسة والمصالح السعودية، أو اللجوء إلى التسريبات التركية المتعمدة دون القيام -على أقل تقدير- بعمل قصة إخبارية متوازنة عن طريق سؤال الطرف الآخر، وهو الطرف السعودى.

آخر ما قامت به «الواشنطن بوست» فى الساعات الأخيرة هو نشر التسريب المجهول المنسوب إلى رئيسة جهاز الاستخبارات الأمريكية، والذى شارك فيه 3 من كبار محرريها (مندوبى الجريدة فى البيت الأبيض، ووكالة المخابرات، والأمن القومى)، فيه تعريض صريح ومباشر بولى العهد السعودى.

جاء ذلك بعد أيام من تصريح علنى (ليس مجهولاً أو مجهلاً) بالصوت والصورة لمستشار الأمن القومى جون بولتون ينفى فيه أى مسئولية لولى العهد السعودى عما حدث. ومنذ ساعات، استمرت الجريدة فى سياستها التحريضية حينما اتهمت الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز، سفير السعودية فى الولايات المتحدة، شقيق ولى العهد السعودى، بأنه اقترح على الزميل «جمال» السفر إلى تركيا.

بالطبع، فإن هذا الاتهام، وهذه المعلومة الملفقة -إن صحَّت- تستكمل نظرية المؤامرة بأن القيادة السعودية هى المتهم الأول فى الجريمة.

وحسناً فعل الأمير خالد، وفعلت السفارة السعودية فى واشنطن، حينما ردت وصححت هذه الادعاءات، وجاء فيها «أن السفير السعودى فى واشنطن لم يجرِ أى محادثة هاتفية مع الزميل جمال، وأن آخر اتصال بينهما كان عبر رسالة نصية فى 26 أكتوبر 2017»، وطالبت السفارة السلطات الأمريكية الرسمية بأن تنشر أى معلومة لديها تدحض هذا الادعاء أو تؤكده. وحينما حاولت السفارة تصحيح ما جاء على صفحات «الواشنطن بوست» حول هذا الخبر لم تنشر الجريدة الرد كاملاً عملاً بحق معروف وهو نشر الرد كاملاً فى المكان والمساحة المساوية للخبر الذى يتم الرد عليه، عملاً بحق الرد والتصحيح، وهو مبدأ مهنى مستقر فى الصحافة المحترمة.

إننا نسأل تلامذة مدرسة «الواشنطن بوست» ذات الـ141 عاماً من الخبرة والتراث، ونسأل الذين تتلمذوا على يد «بن برادلى» أعظم وأشجع رؤساء التحرير الأمريكيين، الذى يعتبر البطل الحقيقى فى الكشف عن فضيحة «ووترجيت»: «هل يبرر دفاعكم عن زميلكم الذى قُتل فى جريمة بشعة لا يدافع عنها أى إنسان عاقل ذى ضمير أن تغتالوا سمعة بلد وحكومة ودولة حليفة وصديقة مثل السعودية؟!».

هل يمكن أن تكون العقوبة مليار ضعف الجريمة؟!

وهل يختلف القتل المعنوى عن القتل المادى؟!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أين مبادئ الواشنطن بوست أين مبادئ الواشنطن بوست



GMT 09:11 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

أحلام قطرية – تركية لم تتحقق

GMT 09:06 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

تذكرة.. وحقيبة سفر- 1

GMT 09:03 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما تصادف شخصًا ما

GMT 08:58 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

اختبار الحرية الصعب!

GMT 00:41 2018 الجمعة ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

وماذا عن الشيعة المستقلين؟ وماذا عن الشيعة المستقلين؟

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يحمل إليك هذا اليوم كمّاً من النقاشات الجيدة

GMT 14:38 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

تساعدك الحظوظ لطرح الأفكار وللمشاركة في مختلف الندوات

GMT 18:45 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 11:33 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 16:51 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

اضيفي اجواءًا جريئة ومشرقة على جدران المنزل

GMT 20:37 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

مطعم ياباني يقدم وجبات لحوم البشر بـ 20 ألف جنيه

GMT 17:53 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

ندوة لمناقشة رواية "منتصر" في مكتبة "البلد"

GMT 04:12 2020 السبت ,09 أيار / مايو

برشلونة يقترب من حسم صفقة نجم يوفنتوس

GMT 11:39 2019 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كيت ميدلتون توضح تفاصيل اللقاء الأول مع الأمير وليام

GMT 04:07 2019 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

انتقادات قوية لرئيس بريشيا الإيطالي بسبب بالوتيلي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates