بقلم - عريب الرنتاوي
خطوة كبيرة للأمام، خطتها فصائل العمل الوطني والإسلامي في فلسطين، خطوة على طريق تجديد شرعية النظام الفلسطيني، و"إدارة" انقساماته و"احتوائها"...يصعب الحدث عمّا هو أكثر، أو أبعد من ذلك، فنحن نعرف أن حوارات القاهرة، لم تدخل في عمق التحديات التي تجبه المشروع الوطني الفلسطيني، ولم تنه الانقسام الذي ما زالت جذوره ضاربةً في الأرض، كما أنها لا تفتح الأبواب(بالضرورة) لتجديد النخبة والطبقة السياسيتين، سيما في ضوء ما يجري تداوله عن "هندسة انتخابية" تسهم في صياغتها، قوى إقليمية ودولية وازنة، وليس الفلسطينيين وحدهم.
هذه الخطوة، لم تكن نابعة في الأصل من "عودة الوعي" للعقل الفلسطيني الفصائلي، بل من الحاجة للاستجابة لضغوط المجتمعين العربي والدولي...العرب يتحضرون لاستقبال إدارة بايدن واستثمار فرصته الأخيرة لحل الدولتين، والمجتمع الدولي (الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة)، سيسرهما التعامل مع إدارة فلسطينية منتخبة، وليس مع قيادة ومؤسسات مضى على انتهاء ولايتها أزيد من عشر سنوات...ولولا إحساس فتح بإلحاحية هذا الاستحقاق، لما أقدمت عليه...ولولا إحساس حماس، بأن حواضنها العربية والإقليمية، تدفعها للاندماج في النظام السياسي الفلسطيني، وهي ذاتها التي تبدو مقبلة على مزيد من التطبيع مع إسرائيل، لما أقدمت على إظهار كل هذا التجاوب (حتى لا نقول التنازلات) للطرف الآخر.
وربما لهذا السبب بالذات، توصل الجانبان إلى معادلة "ما لا يُدرك كُلّه، لا يترك جُلّه"، فلا هما بوارد تجفيف منابع الانقسام وإنهاء تداعياته ومفاعيله، ولا هما بقادرين على إطالة أمد الحالة الراهنة، وما حصل ليس تسوية بين فتح وحماس فحسب، بل ويمكن القول إنه "موازنة" بين ما هو ممكن وما هو ضروري، تسوية كتلك التي أنجزت في القاهرة، ممكنة...أما الضرورة، فتقتضي مقاربة أعمق وأشمل للملف الفلسطيني بمختلف صفحاته، وهذه متعذرة.
و"جُلُّ" ما أفضت إليه حوارات القاهرة، ينبئ بأن الاستحقاق الانتخابي وضع لأول مرة على السكة، وأن قطار الانتخابات قد يجتاز حلقتيه الأولى والثانية، فيما أمر الحلقة الثالثة (المجلس الوطني)، فمتروك لـ"التعيين بالتوافق"، والمأمول أن تعتمد الفصائل "دفتر شروط" و"معايير موحدة" لاختيار الأعضاء الجدد للمجلس، سواء الـ"200" عضواً الذي يمثلون الخارج والشتات، أو الـ"18" عضواً من الداخل الذي يستكملون حصته بعد احتساب الـ"132" عضواً منتخباً للمجلس التشريعي.
إدارة الانقسام و"احتوائه" أفضل بكثير من انفلاته من عقاله...والغزل المتبادل بين فتح وحماس، أفضل بكثير من حرب الاتهامات والتخوين والتكفير، ولقد سبق لنا أن دعونا، ومن باب أضعف الإيمان، لاعتماد "سيناريو كردستان العراق"، حيث لكل من الحزبين الرئيسين مؤسساته وأجهزته، بل و"جغرافيته"، فيما حكومة الإقليم وبرلمانه، يعطيان الانطباع بالوحدة...ليس السيناريو الأفضل على الإطلاق، ولكن هل بالإمكان أبدع مما كان؟ ...ودائماً من على قاعدة " ما لا يُدرك كُلّه، لا يترك جُلّه".
اليوم، يمكن القول، أن كثيرٍ من العقبات على طريق إجراء الانتخابات قد ذُللت...الأمر بحاجة لجولات إضافية من الحوار، لحسم القضايا العالقة، وإصدار المراسيم التي تمت التوصية بها، وفحص الإجراءات المتصلة بالعملية الانتخابية، لضمان حيدة السلطتين وعدم تدخلهما، فالوعود الرنانة وحدها لا تكفي، والأهم الاطمئنان إلى سلامة ما في النفوس، قبل الاحتفال بما تضمنته النصوص.
وما زلنا في إطار "الهندسة الانتخابية" وضمان أن نكون بصدد "انتخابات بلا مفاجآت"، والبحث سيتواصل حول كيف ستخوض الفصائل، بالذات الكبرى، معركتها الانتخابية الأولى، وبأية قوائم ومع من وضد من؟ ...فضلاً عن معركة الرئاسة، وما إذا كنّا سنكون أمام معركة تنافسية، أم انتخاب بالتزكية؟