بقلم - أسامة غريب
جلس حمامة الفلايكى على المقهى شاخصًا ببصره للأمام، وبدا أنه مستغرق في تفكير عميق عندما اقترب منه صديقه شرحبيل بن نوسة، ثم سحب كرسيًّا وجلس بجانبه.
قال شرحبيل: مساء الخير يا حمامة. لم يرد الأخير، لكن نظر نحو صديقه، وقال في صوت عميق: أنا أواجه مشكلة فلسفية كبيرة. قال ابن نوسة: أنا أعرف أن اليوم كان موعد ندوتك الأسبوعية مع المثقفين، لكنى لا أدرى محاور الندوة أو ما انتهت إليه.
قال حمامة: اليوم طرحتُ على الأصدقاء رؤيتى لقضية مهمة، وهى الرأى في هؤلاء الذين يأكلون كفتة الأرز المحمرة بعد خروجها من الطاسة مباشرة، ولا ينتظرون أن تنزل في الصلصة!. قال شرحبيل: يا سلام يا حمامة.. لقد نالنى بطش ماما نوسة في الصغر حينما كنت أفعل هذا.
تساءل حمامة: وهل مازلتَ تفعل ذلك إلى اليوم؟، رد: طبعًا مازلت أفعل ذلك، لكنها تكتفى الآن بالصراخ، ولا تجرؤ على ضربى خشية ردود أفعالى التي تتسم بالغباوة. قال حمامة، وهو يرشف من قدح القرفة: لقد قمت بتشخيص هذه الحالات على أن أصحابها لديهم «إنسيكيوريتى إشوز»، قال شرحبيل: يعنى إيه يا حمامة؟.
- يعنى مشكلات راجعة إلى الإحساس بعدم الأمان، ولو لم تكن لديهم مثل هذه المشاعر السلبية لانتظروا الكفتة حتى تنزل في الصلصة ثم بدأوا في تناولها.
- أنت ترى إذن أن عدم انتظارهم وراءه مخاوف قديمة قد تكون مدفونة في اللاوعى.
- بالضبط يا شرحبيل.
- وما العمل يا صاحبى؟.
- عارف يا ابن نوسة.. هناك مركز أبحاث في دبلن يعمل على هذا الموضوع منذ مدة، لكن أبحاثهم في طور التجريب ولم يصلوا إلى نتائج حاسمة. قال شرحبيل: وأنت يا فلايكى.. هل تنوى أن تقف متفرجًا ومشكلة مثل هذه يعانى منها الملايين من أبناء شعبنا؟.. ألَا تدرى أن كل بيت مصرى به حالة أو أكثر من أصحاب
الـ«إنسيكيوريتى» الذي تحدثتَ عنه؟. رد حمامة في ضيق: وماذا أفعل وحدى؟.. أنا صحيح على صلة بالمراكز البحثية في الخارج، لكن من دون تكاتف مجتمعى لن أستطيع أن أحقق الكثير. وهنا وقف شرحبيل مُهلِّلًا: وجدتها.
- ماذا يا ابن نوسة؟.
- إذا كنتَ لن تستطيع أن تحل مشاكل الشعب كله، فمن الممكن أن تستخدم غرفتى فوق السطوح لاستقبال الحالات الحادة ومعالجة كل منها على حدة مقابل خمسمائة جنيه للكشف العادى، وألف جنيه للكشف المستعجل. ضحك حمامة هازئًا: غرفتك فوق السطوح عبارة عن غِيّة حمام.. هل تريدنى أن أستقبل الزبائن في غِيّة حمام؟.
قال شرحبيل: مؤقتًا يا صاحبى، وبعد شهر نؤجر شقة في التجمع للمرضى من أبناء الطبقة العليا الذين يزداد إحساسهم بعدم الأمان، فيأكلون الكفتة المحمرة بالكامل ولا يتركون شيئًا ينزل في الصلصة.
قال حمامة مترددًا: ألَا يُعتبر هذا استغلالًا لمشكلة يعانى منها أبناء الوطن؟، رد شرحبيل: أنت ستفعل هذا من أجل الوطن، ولا تنسَ أننا نحتاج للفلوس من أجل دفع الكفالة لنوسة، بعد أن صدر قرار اتهامها رسميًّا بقتل إسماعيل بالونة الحرامى!.