بقلم - أسامة غريب
يتسم الخطاب الغربى بشأن روسيا بقدر كبير من اللامعقولية، فهم من جهة يفرضون عليها عقوبات حادة وشديدة ويمنعون الطيران الروسى من التحليق في الولايات المتحدة وأستراليا واليابان ودول الاتحاد الأوروبى، وكذلك يمنعون السفن الروسية من دخول موانيهم، لكنهم من جهة أخرى يريدون الحبوب والأسمدة الروسية بشدة، لهذا فقد استثنوها من عقوباتهم بشرط أن تصل بوسائل نقل غير روسية.
أي أن المطلوب من روسيا أن تنقذهم وتحل أزمتهم وتسهم معهم في حصار وسائل النقل البحرى والجوى الروسية!. ليس هذا فقط وإنما تنقل الأخبار اتهامات من أورسولا فون ديرلاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بأن روسيا تستخدم الغاز سلاحًا ضد الاتحاد الأوروبى بخفضها الإمدادات بشكل جدى، ويحذو حذوها الرئيس الفرنسى ماكرون الذي حذر من استخدام الغاز سلاحًا فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية.
وكذلك المستشار الألمانى شولتز له تصريحات مماثلة تطالب الروس بالحفاظ على إمدادات الطاقة غير منقوصة. الغريب أن هذه التصريحات تصدر في وقت لا يخفى فيه الزعماء الغربيون أنهم اتفقوا على الاستغناء التدريجى عن الوقود الروسى، ووضعوا الخطط العاجلة التي تجعلهم يُحكمون الحصار على روسيا، ويتوقفون عن شراء مصادر الطاقة منها، فيجعلونها تفلس وتركع، لكنهم الآن فقط يرجونها أن تواصل إمداداتها بانتظام، وتمتنع عن استخدام الأسلحة التي في يدها ضد مَن يعادونها، ويعقدون الاجتماع تلو الاجتماع بهدف تدمير اقتصادها!.. وربما لأجل هذا، صرح وزير الخارجية الروسى، سيرجى لافروف، بأن النخبة السياسية الجديدة في الغرب محدودة الكفاءة من حيث الخبرة السياسية وسعة النظر، وقد استشهد في تصريحه هذا برأى مماثل لهنرى كيسنجر.
تضمنت تصريحات لافروف أيضًا أن أهداف روسيا العسكرية لم تعد تقتصر على منطقة الدونباس، بل أيضًا منطقتى خيرسون وزابورجيا في الجنوب وسلسلة من الأراضى الأخرى، وأضاف لافروف إلى هذه التصريحات الخطيرة أنه إذا استمر الغرب في إمداد أوكرانيا بأسلحة بعيدة المدى فإن الحيز الجغرافى للعملية العسكرية سيتسع ليشمل مناطق جديدة.
تدل هذه التصريحات من جانب وزير الخارجية الروسى على أن قرارًا قد اتُّخذ على أعلى مستوى بعدم الاكتفاء بجمهوريتى لوجانسك ودونتسك في الشرق حتى لا يتعرض الجيش الروسى للاستنزاف الطويل كما حدث في السابق في أفغانستان، بعدما اتضح أن الغرب ماضٍ في إمدادات السلاح لكييف لآخر مدى، ويبدو أن الروس قد قرروا جعل خط الدفاع عن روسيا على الحدود البولندية وليس على حدود أوكرانيا مع روسيا، وقد يكون في هذا القرار التصعيدى خطورة التماسّ مع قوات الناتو بما يفتح الباب على حسابات أخرى لا يتمناها أحد.
وربما كانت زيارة وزير الدفاع الروسى إلى المجموعة الروسية من الجنود المسماة «مجموعة الغرب» بعدما تفقد مجموعة الجنوب والوسط والشرق.. ربما كانت زيارته دالّة على الموقف الاستراتيجى الجديد، الذي يوسع الجبهة ويحتل المزيد من الأراضى الأوكرانية بما يقلص من قدرة الأسلحة بعيدة المدى التي تقدمها واشنطن ولندن بسخاء لزلينسكى، حيث لن يجد الجيش الأوكرانى مساحة يطلق منها هذا النوع من السلاح.. هذا ما توحى به المواقف الجديدة، وإن غدًا لناظره قريب.