عائشة سلطان
ليس من السذاجة أن تسأل أو تتصرف أو تكتب أو تعبر أو تخطط أو تتآمر أو تفكر كما الأطفال، ذلك أن الأطفال ليسوا كما نعتقد، مجرد كائنات صغيرة ساذجة بريئة، لا تعرف ولا تفهم ولا تدرك شيئاً مما يدور حولها، وأنهم تماماً كالعلب الملونة والفارغة مكومة في ركن الغرفة بلا مبالاة، بانتظار أن نعبئها بما نريد، أو بما يريد الكبار عادة، وأن عليهم (باعتبارهم مجرد علب فارغة)، أن يجلسوا صامتين دوماً، وأن يقبلوا بكل إذعان وسمع وطاعة، كل ما تضعه فيهم، وتحشوه في أدمغتهم بلا اعتراض، وينفذوا كل ما تطلبه منهم، كي تحبهم وتطبق عليهم معايير الجودة والتميز الخاصة بك!!
هذه الفكرة الساذجة والأقرب إلى الغباء، والتي ظل كثير من الآباء والأمهات والمعلمون والمعلمات يؤمنون بها، ويتصرفون مع الأطفال على أساسها، سقطت منذ زمن، وقال علماء التربية والسلوك كلاماً آخر مناقضاً لذلك حول تربية الأطفال والإبداع والعبقرية، وجاءتنا من جهات الدنيا قصص واقعية حول أطفال لم يتجاوزوا الرابعة عشر من أعمارهم، كانوا من العبقرية، بحيث نالوا إجازات علمية أهلتهم ليصبحوا أساتذة في جامعات كبرى، وأساتذة كباراً في ألعاب الذكاء، ومخترعين وممثلين فاقت براعتهم براعة كبار الممثلين في هوليوود، وأحياناً مجرمين ذوي عقول معقدة وخطيرة.
في أيامنا هذه، يثبت الأطفال الذين ولدوا وكأن في أياديهم هواتف ذكية، أنهم قادرون على أن يتعاملوا مع البرمجيات ووسائل التواصل الحديثة بشكل يجعلنا نحن الكبار أقرب لأن ينطبق علينا الحديث عن عدم الفهم والمعرفة، وأن مقولة براءة وسذاجة الأطفال، أصبحت من المقولات التي سقطت بشكل نهائي!!
يحكي بطل رواية (حكاية السيد زومر)، للكاتب باتريك زوسكند، عن طفل في العاشرة، يحب زميلته، ويرتب كل شيء بمنتهى الذكاء ليلتقيها، ثم حين تنهره وتسخر منه معلمة البيانو، يذهب مباشرة إلى الغابة ويتسلق شجرة بارتفاع 30 متراً، مقرراً أن ينتحر ليتخلص من هموم الدنيا و(سخافات الكبار)، ثم يعدل عن فكرته، وحين يشاهد رجل القرية المشاء يغرق نفسه في البحيرة، يظل يراقبه بدم بارد حتى يموت، وفي الغد، لا يخبر أحداً، معبراً عن ذلك بأنه يحق له أن يختار ما يشاء لحياته!
الأطفال ليسوا كما نريدهم أبداً، ولكن كما تريدهم الحياة، لأنهم كما قال جبران خليل (أبناؤكم ليسوا لكم، أبناؤكم أبناء الحياة، والحياة لا تقيم في مساكن الأمس)!