بقلم : عائشة سلطان
اثنتا عشرة سنة بالتمام والكمال، لم تزد يوماً لأننا كنا طلاباً مجتهدين، ولم تنقص يوماً لأن نظام التعليم قد قرر منذ سنوات أن يخصم هذا العدد من السنين من أعمارنا على وجه الدقة، المهم أنه خلال هذه السنوات أعتبر نفسي ذات ذاكرة ضعيفة فيما يتعلق بالأسماء، لكنني ما زلت أتذكر تلك الفتاة الممتلئة بالحيوية والبهجة التي كانت ضحكاتها تجلجل دائماً في المدرسة، فنعرف أن «فرح» مرت من هنا، أو أنها على مقربة من هناك.
كم مرة ممكن أن تعبر في حياتنا صديقة تلون الفضاء الذي تغبره بالضحكات؟ وكم مرة حدث أن التقينا بإنسان تغفر له ابتسامته كل أخطائه وتصنع وسامته الخاصة؟ أنا لم أنس «فرح» حتى في الزمن الذي عبرت فيه مأساتها الخاصة، وصار الجميع يتحدثون عنها لاحقاً كامرأة ولدتها كارثة، لا بوصفها تلك الفراشة الملونة بألوان قوس قزح.
الْفَرَح، هذا الشعور الذي يتسلل إلى قلوبنا كما تتدفق في عروقنا غيوم بيضاء خفيفة كهواء، وهشة كسكر، هذا الشعور الذي نطلبه ونلح في طلبه بإصرار، لأنه ليس متاحاً دائماً، ولأننا لا نعرفه إلا في أوقات قليلة، إنه شعورٌ لا يمكننا أن نخترعه أو أن ندّعيه، شعور يعرفه المحب في حضرة المحبوب، واللاعب ساعة يعلن فوزه، والمبدع إذا وقف يتلقى التبجيل على ما أبدع وكتب ورسم وألّف، إنه إحساسٌ يستولي علينا حين نسقط في عمقه فيتحول إلى قوّة تهزُّنا، تغزونا وتجعلنا نتصرّف على نحوٍ قد يبدو غريبا للآخرين.
كانت فرح طاقة فرح حقيقية، وبما أنه لكل من اسمه نصيب، فكنت أراها ترقص إذ تمشي، وتضحك إذ تتحدث، وتقلب كيمياء المكان إذ تمر فيه، وتبعثر ذرات الهواء وهي تحرك يديها إذ تتحدث أو تلقي نصاً شعرياً أو تركب حافلة المدرسة، كانت الطالبات البائسات بسبب الصرامة التي أخذن أنفسهن بها يعتبرن «فرح» غير متوازنة أو معتوهة، وكنت أراها الأجمل بين كل بنات المدرسة.
يجعلنا الفرح كما جاء في كتاب ( قوة الفرح) لمؤلفه «فريدريك لونوار» نصرخ، نبكي، نرقص، نرتبك، نتفاخر، نخجل، لأنه التجلّي الواضح لحيويّتنا، وإحساسنا بجمال وجودنا. فما من شيء يجعلنا نشعر أننا أحياء مثل تجربة الفرح. فهل بوسعنا أن نتحكم في ظهوره، أو إخفائه، أو ضخه في أنفسنا؟ هل بوسعنا أن نجد طريقة نستجلب بها الفرح؟ هل بوسعنا أن نمتلك قوة الفرح؟ هذا ما حاول مؤلف الكتاب أن يبحث فيه. عله يعيننا على تلمس الريق لواحد من أكثر المشاعر الإنسانية عظمة، فإذا تأملنا في حكايات الجميع مع الفرح سنجد أن حكايتنا هي الأجدر بالتأمل والفهم والامتنان.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان