بقلم : عائشة سلطان
من قال إن الروايات العظيمة هي تلك التي تتكون من مئات الصفحات، وتتناول حياة متسلسلة لأجيال من الشخوص والأبطال، من قال إن عبقرية الراوي تكمن في القبض على تشابكات أحداث عمله عبر تعدد أمكنة وأزمنة متفاوتة، وبغموض وغرابة يحبس بها أنفاس قارئيه، ولينال بها استحسان النقاد والأدباء، إن هذه الرواية التي اخترت الكتابة حولها اليوم واختار لها كاتبها هذا العنوان البسيط والحميم معاً «أوسكار والسيدة الوردية» واحدة من الروايات القصيرة العظيمة التي تسجل انتصاراً حقيقياً في مرمى الروايات القصيرة جداً، ولتنضم إلى روايات تاريخية مثل «الأمير الصغير، حكاية السيد زومر، القط الذي علم النورس الطيران.. وغيرها»!
الرواية من تأليف الفرنسي إريك إيمانويل شميدت، وهي لا تتجاوز الـ96 صفحة، تحكي باختصار شديد قصة الأيام الـ12 الأخيرة في حياة طفل «أوسكار» مريض بالسرطان، إنه البطل والراوي في الوقت نفسه، وهو طفل لا يتجاوز العاشرة من عمره، نزيل أحد المستشفيات، حيث يتلقى علاجاً كيمياوياً لا ينجح في إنقاذه من مصيره المحتوم، وللتخفيف على المرضى تتبرع بعض السيدات بزيارتهم وقضاء وقت معهم، وقد كانت الماما الوردية زائرة أوسكار اليومية ورفيقته في رحلة الـ12 يوماً الأخيرة!
وبالرغم من قصر الرواية، وسلاسة أسلوبها وبساطتها باعتبارها تروى على لسان طفل، إلا أن المؤلف ذا النزعة الصوفية قد ضمّنها الكثير من الأفكار الإنسانية العظيمة والعميقة جداً كالشعور بالوحدة، الألم، الحب، الصدمة، الإحباط، الإيمان، الشك، الحرية، الاختيار، العلاقة بالوالدين، العلاقة بالمريض، الموت، الدين، أخلاق الطبيب، تجربة المرض القاتل، تجاوز المصيبة بالإيمان.. كل ذلك عبر عمل صغير وبصوت طفل يعبر أياماً قاسية ليصل إلى الموت في نهاية الرواية، فيقرر المؤلف أن يجعله يموت في الوقت الذي يذهب والداه ومرافقته العجوز لاحتساء القهوة في مقهى المستشفى.. ليكون رحيله رحيماً وخفيفاً عليهم!
تعتمد تقنية الرواية على رسائل يكتبها أوسكار كل يوم - بناء على نصيحة الماما الوردية كما يسميها - يتمنى فيها كل يوم أمنية روحانية مختلفة، بحيث نعيش معه آلامه ومعاناته وتجاوزه لمحنته بالحيلة الأسطورية التي أخبرته بها العجوز!