بقلم : عائشة سلطان
أن تشتغل بالكتابة معناه أن تشتغل بالحياة، أن يكون لديك تصور شاسع للثقافة وللإنسان وللمعرفة والتاريخ والفن، وأن تؤمن بأنك بقدر ما تكون الفكرة والذاكرة لمجتمعك، وبقدر ما تشتغل لتؤسس منجزك وسجلك الشخصي أمام هذا المجتمع، فإنك من الضرورة بمكان أن تكون الجسر الذي يعبره المجتمع ليتعرف من خلالك على وجوهه المختلفة في المرآة، وأن تكون الرافعة، أن تعمل على إبراز الكثير مما وممن يغيب عن الكثيرين، وباختصار اذا كنت تشتغل بالكتابة، فاعمل على نحت لغتك كما تنحت السهام وتصقل السيوف تماماً، وبها قل للجميع أي كثير فاتهم وهم لا يعرفون خيرات وأسرار ومفاتن كثيرة لم تجد من يقدمها كما ينبغي!
لقد قرأت لأبناء الامارات كثيراً، قرأت لذلك الجيل الذي بزغ بهياً في سنوات الثمانينيات، سنوات البدايات والتحولات، الجيل الذي كتب الرواية والقصة القصيرة والشعر، وتابعت إنجازات الذين رسموا و نحتوا وأطلقوا حناجرهم بالقصائد والأغاني، للذين استحضروا البحر والصحراء ورائحة الجبل والوديان وأصوات النوارس وغناء البحارة في أيام الغياب في أرض البحر!
كما قرأت للجيل الذي جاء بعدهم، وللذي جاء فيما بعد وللذين يكتبون اليوم ممن صمدوا أمام عواصف التبدلات وزلازل التغيير، لكن أسماء بعينها تشدك إذا التقيتها، وتجبرك على أن تقف لتنصت جيداً، لتعرف كما يجب ولتؤمن بابن هذه الأرض وبقدرته على أن يقول لك كل ما تريد معرفته عنه وعن الوعي والتاريخ واللهجات والصحراء والنخيل والمدن والإنسان بمنتهى الحرفية والمنهجية والانتماء!
أحمد محمد عبيد الباحث الإماراتي الذي قدمته الروائية الإماراتية ريم الكمالي في حوار غني ومشغول بحرفية صحفية أكدت على أن مهمة الروائي ليست في أن يعلي جدران مملكته الخاصة ويتباهى بها، إن مهمته أيضاً في أن ينحت ويحفر في طبقات المجتمع والوجوه، خاصة اذا امتلك أدوات البناء والرصد ليقدم مجتمعه كما ينبغي أن يعرف ويحتفي بأبنائه كما يستحقون، وبالطريقة التي يحترمها العالم ويبجلها، خاصة حين يشتغلون باللغة والتاريخ والثقافة كباحثنا أحمد محمد عبيد.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد