بقلم : عائشة سلطان
يعد إفصاح النساء بشكل عام عن أعمارهن الحقيقية واحداً من الموضوعات التي شكلت خطاً أحمر في السائد الاجتماعي، بل ومن الموضوعات المسكوت عنها التي لا يفضل تداولها بصوت عالٍ، وتحديداً في تجمعات النساء، وأحياناً في تجمعات الرجال أيضاً، فحتى الرجال اليوم أصبحوا يتحايلون على حقيقة أعمارهم، وغالباً إذا أفصحوا عنها يكونون قد أنقصوا خمس سنوات على أقل تقدير إن لم يكن أكثر.
لقد أثارت صديقتي على صفحتها في الفيسبوك هذا الموضوع (لماذا تخفي النساء أعمارهن الحقيقية؟) فتلقت سيلاً من التحليلات والإجابات. يقول أحدهم: إن الميثولوجيا المتراكمة عبر التاريخ التي حملت المرأة مسؤولية الخصب والنماء أصلاً لبقاء العالم هي المسؤولة عن ذلك، لأنه بمجرد أن تفقد المرأة مظاهر هذا الخصب والجمال يبدأ المجتمع بمعاقبتها (كأن يتزوج الرجل عليها بسبب تقدمها في العمر) لذلك تضطر النساء لإنكار أعمارهن أو إخفائها على الأقل كحيلة نفسية في سبيل الخلاص من الضغوط أو العقوبة!
والحقيقة أن المرأة عامة لا ترغب في أن يعرف الناس عمرها حفاظاً على قبولها في المجتمع، بالشكل الذي تريده هي وتنسجم معه، باعتبارها صغيرة، جميلة، حيوية وشابة، والأهم أنها أهل للفت الأنظار وإثارة الإعجاب، فلا تريد أن تسمع من شاب يناديها: خالتي، بمجرد أن تفصح بصدق عن أنها في الخامسة والأربعين، ستصاب عندها بطعنة قاتلة وستمضي النهار كله في محاولة ابتلاعها الإهانة!
إذن فمعظم النساء يلجأن لإخفاء أعمارهن لتبقى الواحدة منهن مقبولة إذا ارتدت ثياباً معينة، أو جلست في المقهى، أو ذهبت للنادي الرياضي أو مارست الجري في الحي، فالمجتمع عندنا هو الذي يعطي المرأة شهادة الصلاحية للحياة وللكيفية التي تعيش بها عمرها، بحيث يسحب منها الصلاحية إذا وصلت سناً معينة، وكأن حياتها انتهت، فتهرب من هذا المصير الأسود بهذه الكذبة (البيضاء) على أساس أن الغاية تبرر الوسيلة.
إن المرأة تكذب على نفسها هنا كما تكذب على الغير. إن الأمر يتعلق بشخصية المرأة التي تحاول إظهارها بطريقة معينة للآخرين!
ولا ننسى أن مجتمعاتنا اليوم تحتفي بالشباب والنساء الصغيرات، ومعظم فرص ومتع ووسائل الترفيه والوظائف وموضات الثياب والصالات الرياضية والرقصات والأفلام والمراكز التجارية والمقاهي والمطاعم وقاعات السينما وووو .. إلخ، كلها تستهدف الشباب، ما يجعل فئات عمرية معينة يشعرون بأنهم أصبحوا تحفاً مركونة على الرف أو خارج الحسابات إذا لم يركضوا خلف صالونات وجراحات التجميل، والتنحيف وإنقاص العمر عشرين أو خمس عشرة سنة على الأقل.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن البيان