عائشة سلطان
في المدن والقرى والبلدات الريفية الأوروبية التي بدأت تشهد رواجاً سياحياً خليجياً لافتاً في السنوات الأخيرة، يمكنك أن تسجل عدة ملاحظات وأنت جالس باسترخاء تام على كرسيك الخشبي في المقهى الصغير الذي يقع في زقاق ضيق يفضي عادة إلى ساحة البلدة أو إلى سوقها القديم، هذه الجلسة هي ما كنت تبحث عنه دائماً، لا تخلع نظارتك الشمسية، تشعر بالأمان وأنت مندس خلفها، تطلب كوب قهوتك تبتسم لك النادلة، تسجل طلبك وتندس داخل المقهى لتأتيك بعد قليل بما طلبت، تعاود الابتسام فتنقدها ثمن القهوة وتمضي، بينما تبدأ أنت في مراقبة المشهد الذي يموج أمامك في فضاء الشارع !
أول ما تسجله عيناك هو كثافة الخليجيين في المكان وذلك الضجيج الذي يحدثونه في المكان لسببين: أولًا لأنهم يتحركون في جماعات كبيرة مصحوبين بأطفال صغار يبكون معظم الوقت، وثانياً: لأنهم عادة ما يتحدثون بصوت عالٍ، أضافوا إليه مؤخراً فتح برامج السكايب والايمو أمام الملأ والتحدث مع الطرف الآخر بصوت عالٍ وكأنه لا أحد في المكان، لقد كنت أزور أخي في شقة اختارها في مكان هادئ، وكنت في شرفة الشقة وإذا بي أسمع مكالمة كاملة بين رجل وصديقة بشكل كامل وواضح ولست وحدي فقط خرج الجميع ليستطلعوا مصدر الصوت، بينما (الأخ) ماضٍ في حديثه لا تعنيه كل نظرات الاستياء التي صبت عليه من الشرفات الخشبية في المبنى الصغير !
الأزياء التي يرتديها البعض لافتة غالباً، فهي إما زاهية أكثر مما يجب، وما تحتمله قرية صغيرة متواضعة، وإما باهظة جداً أكثر مما تحتمله إجازة قصيرة، وإما مبالغ في كميتها في أوقات تصل فيها درجات الحرارة إلى ما فوق الـ 28 درجة مئوية والشمس لا تحتمل أبداً، بينما تعبر أمامك فتاة تلبس بوتاً من الفرو (على أساس أنها في أوروبا) أو رجل يرتدي شبه بدلة أو امرأة تتسربل في طبقات من الثياب من باب التدين ! وهنا لابد من التأكيد بأنه لا أحد يسخر من أحد أو يتدخل في نوع وشكل ثياب أحد، لازالت أوروبا ملتزمة باحترام الحرية الشخصية في أغلب قراها وبلداتها ومدنها، الذي يجب التنويه إليه هنا أن المبالغة والأمور غير المعتادة تلفت الناس عادة أينما كانوا !
وتجلس في كرسيك ذاك فإذا بك تسمع فتاة خليجية تقول لصديقتها بلهجة مستنكرة (لماذا ينظرون إلينا وكأننا مخلوقات غريبة؟ لماذا لا ينظرون إلى أنفسهم وهم يمشون شبه عراة !) نظرت إليها وكدت أرد إلا أنني أمسكت في اللحظة الأخيرة، كنت سأقول لها بأنك نسيت أنك في بلادهم وأنك ترتدين ثياباً لن يعتادوا عليها، بينما ثيابهم من صميم ما اعتادوا عليه فلماذا تنكرين عليهم حقهم في إبداء الدهشة، لماذا لم تحاولي أن تتجنبي نظرات الاستغراب بأن تكوني شخصاً طبيعياً ومعتدلًا لا أكثر ولا أقل !