نعود ونتذكر

نعود.. ونتذكر

نعود.. ونتذكر

 صوت الإمارات -

نعود ونتذكر

ناصر الظاهري

حين تحلّ على مدينة بين وداعها بالأمس، ولقائها اليوم تقضت خمس وعشرين سنة، يصعب اللقاء الجديد، وتسحبك إلى قاع ذكرياتها، وتلزمك بصمتها المجبر عليه، فتغدو كناسك ملّ من كل شيء إلا السكينة والهدوء، ومحاورة النفس، هكذا هي «بومبي» التي عرفتها، وها هي «مومباي» التي لا تعرفها، تغير كل شيء حتى اسمها، لكن ما أن تبدأ أولى خطواتك في طرقها الجديدة، تجرك الأسفار الأولى إلى مكامن الفرح، واللقاءات الجميلة، هنا تذوقت أكلة «برياني حيدر بادي» ما تزال نكهته، ورائحته في الأنف، وما زال طعمه في الحلق، في ذاك المطعم الذي شاخ كثيراً تعرفت لأول مرة على تلك الخبزة الطريّة اللينة «رمالي روتي» بحيث لم تجدها غير في تلك المدينة الضاجّة بكل شيء، وفي ذلك المطعم «دلهي دربار» الذي شاخ كثيراً، تتذكر بحزن ذلك الحي الفقير حد وجع العظم، حين أجبرك فجر متأخر أن تستقبل صباحك بفنجان شاي بالحليب، خليط بالزعفران «تشاي دود باني كمتي»، وظلت مشاركة الناس البسطاء متعة فطورهم في صحن نحاسي تحمله بين يديك على دكة إسمنتية قاسية، تمتد الخطى باتجاه «مومباي» التي أكلت من ملامح «بومبي»، لكنها لا تجعلك تستمتع بوقتك الراهن، وقتها الذي مضى هو الذي يتسيد الرأس، باحثاً عن أمكنة زلقة ظللت تتبعها، منتقياً لحذائك اللامع أماكن لم يغمرها الماء بعد، كم شقيت بتلك الرجل اليمنى العرجاء، أو كم أشقيتها دافعة جثتك الزائد وزنها نحو مخابئ تنشد «القوالي» ليلا، وتنضح بالعرق الأنثوي، وبعض عطرهن الرخيص، تتذكر أسماء بعينها، أنت الذي كنت تعتقد أنها غابت مع الوقت، ونسيتها حياتك المشتتة بين زوايا العالم، وجهاته الأربع، لما حضرت الآن، وفي أولى ساعات «مومباي» التي تدخلها في طورها الذي لم تخبره، ما أبعد السنين، وأحياناً ما أقصرها، ترى هل شاخت تلك الوجوه النضرة يومها؟ كيف هي في عمرها الجديد؟ ما أصعب انثيالات الحياة حين تهجم عليك دفعة واحدة! لما هنا الناس يشيخون سريعاً؟ وتتغير ملامحهم حد التلاشي والعدم، يا.. آه كم كبر ذلك السائق، وكم زادت مشكلاته مع الحياة، كم بعض الوجوه صامدة في وجه الحياة، وفي وجه الوظيفة، لا تريد أن تترجل إلا ببدلة الشغل، حتى بوّاب الفندق العتيق «السيخ» مشطّ البياض لحيته المرسلة، وحدهم التجار الهنود ما زالوا بطبيعتهم التجارية «البانيانية» الربوية، يربحون، ويشيخون في دكاكينهم ذات الرائحة الكتانية الرطبة، والتي تعطيها تلك المروحة المخلصة في دورانها المتكاسل بؤس الوبر المبتل...

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نعود ونتذكر نعود ونتذكر



GMT 01:10 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

طريق الخسائر والكبائر

GMT 01:09 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

عون رئيساً لاسترداد لبنان

GMT 01:09 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

الدبلوماسية العربية ــ الدولية وجمهورية لبنان الثالثة

GMT 01:08 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

عجائب الزماني... لابن الأصفهاني

GMT 01:07 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

كرة القدم... نقطة تجمع وطني

GMT 01:07 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

«مكرم هارون»... واحدٌ من النبلاء

GMT 01:06 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

الرسائل الإلهية

GMT 01:05 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

الاستمارة

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 11:57 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 13:56 2017 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

شيماء مصطفى تُقدّم حقائب من الجلد الطبيعي لعشّاق التميُّز

GMT 03:03 2019 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

مهاجم إنتر يخضع لعملية جراحية ناجحة في ركبته اليمنى

GMT 18:13 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الأكسسوارات المنزلية جواهر تثمّن المشهد الزخرفي

GMT 08:06 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

محمد بن زايد يستقبل وفداً من البرلمان العربي

GMT 09:27 2019 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

طريقة سهلة وبسيطة لعمل تتبيلة السمك المقلي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates