ناصر الظاهري
هناك أشهر تمر ثقيلة على الناس والأوطان، كالرحى على الصدور، لا ندري ريحها متى تهبّ، وكيف تهبّ، تجعل المآقي ماطرة بالدمع السخين، والقلوب متعبة كالهم الطويل، أشهر وكأنها الدهر، ليلها لا ينقضي، ونهارها هاجرة شمسه، وكئيب غيمه، هكذا مرّ شهر سبتمبر على الإمارات، وعلى أهلها بفواجع، ومصائب، الواحدة أكبر من أختها، فواجع في الداخل، وأخرى في الخارج، ونبأ الشهداء في اليمن، مثل نبأ الشهداء في الحرم، مثل نبأ باغت الإمارات غياب نجمها «راشد»، و«أبو راشد» الذي كان يعزي بيوت الإمارات، الإمارات اليوم كلها تعزّيه، ودمعته الغالية دمعنا، وضيق صدره همّنا، تتعدد الأسباب، والموت واحد، لكن الإيمان وحده القادر أن يجعل من الصبر، فرجاً، ومن الألم، مخرجاً، ومن الأمل، موئلاً. ومن بيارق الحق نصراً مؤزراً.
وإن بيتاً أرّقت أركانه، فكأن الإمارات هي الثكلى، وهي الحرقى، فكل الأبناء أبناؤها، وكل المغارم أشجانها، لكن الأحزان لا تدوم، وإنْ أبقت لها شيئاً في الصدور، فالخير في الخلف، والبركة فيمن سلف، يجمعنا الحزن، ويجمعنا أكثر الفرح، كلنا في الضيق، وكلنا أكبر في الجمع، والمتسع، نتعالى على الجروح، ونصمد كالصروح، فالحياة أغلى، والوطن أعلى، والمسيرة أبدى، والظفر تاج لمن صبر.
شهر سبتمبر، مرّ على كل بيوت الوطن، بقاسي الدمع، وبأخبار من كمد، وعزاؤنا أن من ذهب، ذهب مطمئناً، وخالد النفس، ولنا من آيات الصبر، وكيف يصبرون، ولنا من آيات الذكر، وكيف يشكرون، ولنا من آيات الفكر، وكيف يتفكرون، كلنا في الإمارات عضداً، وعوناً، وسنداً، وكلنا يد تكفكف الدمع، ويد تجفف النزف، ويد تجني، ويد تحمي، وكلها أيادٍ ترتفع للدعاء، وترتقي بالبناء، وتبغتي السمو، ومعنى أن تكون الأوطان كالأمهات وأكثر.
سينقضي هذا الشهر المُغبَرّ، وتذهب ريحه، وسيبقى الوطن، وسيبقى أناسه المخلصون، كما هم كان الأولون، عتاة، أباة، هم على بعضهم كالحرير أنعم، وألين، وعلى البُغاة كالصخر أصلب، وألعن، ولن تنقصنا صروف الحياة، ولن تثنينا نوائبها، فالجواد الأصيل لا يتعثر من كبوة، والحر لا تقتله من السيف نبوة، فالسير طريقنا في غبشة وسرحة، والخير سبيلنا، وتوكلنا في فرحه وترحه، والوراء لا ننظر إليه إلا اتقاءً، أو معاونة جريح أو كسيح، والأمام هدفنا ومبتغانا، ولا نكتفي إلا الصدارة.
للإمارات.. لوطن الخير، والمحبة، والتسامح، والأمان، هي شدة وتزول، وهو شهر، وسنعده من أيام السنة، لكننا لن نحول، فالإمارات كبيرة.. وكبيرة أكثر بأهلها.. و«أبو راشد» كبيرها.