بقلم : ناصر الظاهري
- حينما يلتقي الأصدقاء اليوم، يكون الماضي محور حديثهم فقط، حيث تلك المساحات الخضراء المتقاطعة من الأحلام والذكريات، وأشياء الدنيا التي فُطرت عليها، كالطفولة، والبراءة، ومساكن الإنسان الأول، حيث الطين والصلصال والماء، ولا شيء يساوي قبضة اليد، تلك التي تشبعه، فتتساوى عنده النجوم والصخور والزهر، وحيث المساحات الرمادية من التعب والشقاء، ومكابدة الأيام؟ حينما تعلم الفطنة، وودع الطفولة بإنبات شعر كث على جسده كالجد الأول، وبدأ الصيد، وانتقاء الفرائس، والظفر بكل شيء على الأرض، وتلك المضغة السوداء التي تسكنها المُلّكية. الأصدقاء الملتقون، ربما اليوم ماضيهم هو الذي كان المستقبل، وكان الأحلام يومذاك، وقد استهلكوه في صغرهم، وتمنياتهم، وأمانيهم، أو ربما تناقص العمر، بحيث لم يعد أمام الخطوات سنوات، بكثر ما تركت وراءها، هو السبب الذي يجعل الإنسان لا يحب العد، ولا الركض إلى الأمام، لأن المجهول هو الواضح، وغيره ظلمة العتمة والرماد!
- لم يتوقف المستقبل عند معظم النساء بمجرد أن تتزوج؟ وكأن الزوج ختام الحلم والأمل، والأولاد نور الغد، تستفيق من أحلامها الوردية فجأة، وتكف عن تلك السباحة في ظلل الغيم، وتستسلم، وتسلم أمرها بيد الزوج والأولاد ليسيّروا مستقبلها، تغمض عينيها باتجاه الأمام، ونحو الخلف، فلا المستقبل تسبر، ولا الماضي تستذكر، تعيش في تلك المساحة مع يوميات الحياة، بلا أفق، غير الأفق الجمعي، وحين تتلبسها الوحدة الإجبارية نتيجة مغادرة الجميع أماكنهم إلى أماكنهم الجديدة، تحاول أن تنظر خلفها، أو إلى ماضيها، لكنها تشعر أنها وحدها، وأنها في مكان لم تتعود عليه، وكأنها شبه عارية بلا الزوج والأولاد!
- تقاسيم الزمن، هي سر الإنسان، وسر بقائه، متنعماً بالحياة، بعدما ودّع الركض في البراري، مرة بالقلب، ومرة بالعقل، يمازج الأفراح بالأحزان، وينتقي لكل وقت ما يعضّد خطوه، سواء بدمعة حزن أو شهقة فرح، لا أحد غير الإنسان عرف ذلك السر في تقاسيم الزمن، ومتعة اللعب على أوتاره، تارة بالقلب، وأخرى بالعقل، متغلباً على الحياة حين تقسو على اللحم الطريّ!
- لو عرف الناس متعة انتظار العود الأخضر للماء، وعرفوا قسوة انتظار العود اليابس لزخات الماء، لأدركوا أن للانتظار جبروتاً يُحيي، وآخر قاتلاً، وأخبثهم ذلك الذي يعطي لصدرك نشوة الانتظار، وفي يدك قبض الريح!
- لا نعرف من خُلق أولاً في الحياة من المتضادات، الصدق أم الكذب، الليل أم النهار، العدو أم الصديق، الحب أم البغض، ويكبر السؤال!