بقلم : ناصر الظاهري
تربية الولد والبنت في مجتمعنا العربي، متناقضة، وكأنها تتبع هيئة الجسد، لاغية النفس، فالخشونة للولد، والنعومة والخوف المبالغ فيه للبنت، حيث يتربى الولد، وكأنه مشروع جحش مستقبلاً، فالضرب فيه و«الهزاب» فيه، و«الفَتّنة» عليه، أما البنت فتتربى وكأنها مشروع لزجاجة من بلور، يخاف عليها من الكسر، وتظل العين عليها، وتفرض عليها الحماية المبكرة، ويعاملونها بالحسنى وبالتي هي أنعم وألطف، فعند أي مشكلة طفولية أثناء اللعب مع أخيها، أول ما يتوجه اللوم يتوجه للصبي «الشيطان، العفريت»، أما البنت فيكفي أن تبربش بعينيها الذابلتين حتى تسقط عنها كل التهم، وإن أرادت أن تزيد من ضرب أخيها، فيكفيها أن تنزل دمعتين سريعتين على الماشي باعتبار أنها مظلومة على الدوام، حتى عند الهدايا يكون حظها أوفر، ويظل الوالدان ينتقيان لها، ويشقيان حالهما، ويلومان نفسيهما كل حين حتى يجدا لها الهدية التي تفرحها وتميزها، أما الولد والذي يمكن أن يسمى بعد تخطيه السابعة بـ«اليعري» والذي يمكن أن يؤمر بالصلاة فيها، ويضرب عليها في العشر، فهديته من الحاضر والموجود، وما يمكن أن يعثر عليه الوالدان في طريقهما، الولد لو «شمخ» أخته بطريق الخطأ، فسيجلد بالعقال، وهي لو «وغفت» عينه، فسيقول الوالدان: «هذا والله من شطانته اللي ما يقرّ ولا يهدأ» ويمكن أن يلوما الأخت قليلاً أن لا تقرب أصابعها من عيني أخيها مرة ثانية، ثم يردفان بعد تلك الجملة مباشرة: «وأنت «الشيطان» خل عنك «الدحاب والينان» تراك كبرت، ولعب «اليهال» ما يصلح لك».
الولد والبنت يكبران سوية، الولد يُفك له رأسه، ويترك «يهيت ويضَوّل» من الأصدقاء الصالح والطالح، ولا يسأل عنه إلا فيما ندر، وعليه أن يعتمد على نفسه، ويحمّلونه الخشونة والشظف وهو ما زال عوداً أخضر رطباً، لأن الولد يقال له إن ذنبك على «ينبك»، أما البنت فتظل العناية المبالغة موجهة لها، وتظل الأسوار كل يوم من حولها تزيد حتى تكاد أن تخنقها، فكل شيء يصدر منها له تفسير اجتماعي، وكل فعل تأتيه عليها أن تفكر في عائلتها وجيرانها ومدينتها وبلدها أولاً، لأن ذنبها يتحمله الجميع، وكل ما يظهر منها وعنها يمكن أن يخدش الشرف ويلوث السمعة، ويسوّد الوجه، ولأن همّ البنات حتى الممات، تظل كوكبة الرجال المحيطة بها تصدّر لها الأوامر والنواهي والزواجر منذ طفولتها المنهوبة والموءودة، والتي لم تعشها كاملة، إلى شيخوختها المبكرة، وحتى يتخلصون منها في دفن سريع وخجول!