بقلم : ناصر الظاهري
- بعد الخمسين من العمر.. ويبدو عمرا غير مديد، إياك أن تخسر صديقاً قديماً، لأنه يصعب بما تبقى من العمر أن تربي صديقاً جديداً، كما هو صعب أن تجبره على الدخول لأوقات طفولتك ليشاركك في شيء لم يعشه معك، فرحة الدنيا، وتثاؤب زمنها!
- بعد الخمسين.. إياك أن تغير جلدك، فلا العمر يسمح لك، ولا المساومات يمكنها أن تجدي نفعاً معك، والخير أن تظل مقتنعاً بما كنت تعتقد، فما لم تقدر عليه السنون الأولى، لا يسهل على السنين اللاحقة!
- بعد الخمسين.. لا تخلق عداوات، فليست كل حروبك ظافرة، ولا كل انتصاراتك يمكن أن تتوج بها الرأس المثقل بأعباء السنين، وتعب العمر!
- بعد الخمسين.. لا تقرب من عش امرأة، فلا هي قادرة أن تستوعب عطش الذئب، ولا عرق ضجره، ولا الذئب يمكنه أن يتخلى عن هرولته التي بلا عبث!
- بعد الخمسين.. ستبقى النخلة القديمة التي دفن تحتها شعرك، وزغب رأسك في أسبوعك الأول، هي الظل، وهي الملجأ، وحدها من تجلب لك الغفوة الصافية، وأمنية الرقدة الأبدية، وأن تساقط عليك من رطبها الجني!
- بعد الخمسين.. سترى الأشياء، وقد كبرت بسرعة، وتتبدى لك الأمور، وقد نضجت على عجل، وأن الخمسين جرت في غفلة منك، وعنك، وحده الصدر يظل يريد متسعاً، والعين تريد أفقاً، لكن الوقت يُضَيّق عليك الحياة بما رحبت!
- بعد الخمسين.. ستهجم عليك الأيام، لكنها ستتركك وحدك تركض في براري الوقت، وتعود منهكاً لكهفك، وبئر أسرارك، الأولاد كبروا مع نسائهم، وأقفال أبوابهم، والأحفاد الرقميون متوحدون مع شاشاتهم، يضحكون مع البعيد، ولا يرون القريب!
- بعد الخمسين.. تتمنى لو أن أحداً يقرع باب بيتك، ليقول لك: لدي ما يسر خاطرك.. وفقط مررت لاتأكد أنك ما زلت شاباً كما عرفتك!
- بعد الخمسين.. سيتساقط من أمامك ومن خلفك، وعن يمينك، ومن شمالك أشخاص كثيرون، وتتمنى أن تعيش لتتذكر أو لو يمكنك أن تذكّرهم، آه.. كم كانت الحياة ضيقة في عيونهم، لذا أعمتهم أو اعتموا بها!
- بعد الخمسين.. ستتذكر أولئك المتورمين بالأنا، المنتشين بريش طواويس الوهم، أولئك الذين ماتوا مبكراً في العشرين، ولم ينجزوا إلا العبث، ودفنوا وهم في السبعين، وحكاية دموعهم مثقلة، لا تحدها نهاية، ولا تعرف لها بداية!
- بعد الخمسين.. وحدها النفس يمكنها أن تشكرك، لأنك أرشدتها لفعل الخير، ولطريق معشوشب أخضر مثل البشارة والإحسان والبر والصدق.. وأكثر!