بقلم : ناصر الظاهري
كرسي يعتقد أنه أقرب إلى عرش مُنَزّل، في صرح ممرد، تجري من تحته الأنهار أو في سماء معلق!
حين يولد كرسي السلطة والسطوة، الكل يدعي قرباً منه، ووصالاً به، النجار يقول: لي منه شيء، التعب والعرق، الشجرة تقول: وأنا لي منه شيء، هو من صلبي، والأرض تقول: أنا سنده، ويجلس في حضني، والكل يدعي: حاطبه، وحامله، ومنجده، وداهنه، والقريب منه، وحين يتهاوى الكرسي، وحده المسمار لا ينسى العشرة، ويظل يتذكر!
كرسي كان يوماً من خشب، ومع الوقت ولذة السلطان تحول إلى شيء من حرير وذهب، وعطايا لمن وهب، وملك لا يبلى، وشعب!
عاش الكرسي، عاش الزعيم، سقط الكرسي، تهاوى الزعيم، وتشرد القطيع!
من أنواع الكراسي، كرسي طبيب الأسنان، كرسي الاعتراف، كرسي الحلاق، كرسي السلطة أو كرسي الندم!
أعلن ممتطي الكرسي مرة: أنه لا يتسع إلا له وابنه، ومات من أجل ذلك الرهان خلق كثير، كان يمكن أن يستوعبهم الكرسي، ويعيش الزعيم، ويسود الابن!
يتصارع الكرسي والزعيم، الكرسي بأربع أرجل، ثابت لا يتحرك، والزعيم يريد أن يقلده!
من منا لم يحلم بالكرسي يوماً ما، ولكننا في النهاية نصحو، وندرك أننا كنا نحلم!
نتمنى أن تعيش كل الكراسي من دون أن تُعَمّد بالدم، فلا نجد كراسي بريئة، غير كراسي الحدائق العامة!
تولد الثورات على كراسي مبعثرة في قارعة الطريق، وتنتهي على كراسي محنطة في القصور!
ثمة من يحيا من أجل ذاك الكرسي المبجل، ثمة من يموت حين يعلن عن وفاة ذلك الكرسي المعطل!
ابتدع المستشارون كرسياً من فراغ، سموه كرسي الخيانة، فعاش، وعاش تحت ظله كثير من الجبناء من دون ندامة! منذ السيل العرم، وتفرق القبائل أيدي سبأ، ظل العرب يبحثون في قحطهم عن الماء والعشب والكلأ، وفي رخائهم يتقاتلون على كرسي على الملأ!
كرسي يأتي بـ «قاعدة»، وكرسي ينشئ «قاعدة»، وكرسي يمنح «قاعدة»، وكرسي يهدد بـ «القاعدة»، وليس هناك كرسي أسس على «قاعدة»!
كرسي مستقيم، يعلم الجالس عليه عدم الاستقامة!
ليس هناك ثمة كرسي مؤنث، وإلا تجنّس أو عنّس!