بقلم : ناصر الظاهري
معظم مدننا العربية والإسلامية تتصدر اليوم المراكز الأسوأ في مختلف أمور الحياة الجميلة، وتحتل المراكز الأولى في أمور الحياة البغيضة، بل إنها كثيراً ما تنافس حالها في تلك المجالات، فمدن تتصدر لوائح الإرهاب، ومدن تحتل المراكز الدنيا في النظافة، والمحافظة على البيئة، ومدن ينعدم فيها الأمان والحرية، فهي مشاع، ومدن طاردة للسياحة، ومدن تستوطن فيها كل ما يحط من كرامة الإنسان.
كنا ننتظر أن تحتل جامعة ومركز أكاديمي رقماً في خانة أفضل مائة جامعة في العالم، فإذا بأرقام جامعاتنا، وحتى العريقة منها يتخطى مركزها أسفل القوائم الألفية، كنا ننتظر من مدينة مثل بيروت أو الإسكندرية أن تزيح عنها أوساخ يومها، لا تراكمها، وكأن إحداهما لم تخترع الأبجدية، والأخرى لم تكن فيها أضخم مكتبة في العالم، مدننا الوحيدة التي تستورد نفايات مدن العالم لتخزنها في مكبّاتها، وصحاريها، يا للفساد حين يصبغ كل الأشياء بوسخه ودرنه، كنا ننتظر من مدننا التاريخية كدمشق وصنعاء أن تذكّر العالم أنهما ما زالتا في صلب المسيرة الحضارية، وأن ثوابت التاريخ لا تتغير، فإذا هما مدن رمادية، ولا ينبعث منهما إلا رائحة الرصاص والموت.
في دراسة نشرها موقع «الإندبندنت» شملت بضعة آلاف سائح، أشاروا إلى الأسباب التي تدفعهم لعدم الرجوع لتلك البلدان الموسومة بالمراكز الأسوأ، والطاردة لأهم صناعة، ودخل اقتصادي للبلدان، إلا وهي السياحة، منها: تصرّفات المواطنين، التسول، الملل، الخطر، القذارة، الغلاء، الضجيج، التحرش الجنسي، الفقر، العنصرية، الخدمات العامة، مثل: الحمامات والمواصلات، البرد، وقاحة الشعب، الحرب، ومدن غريبة الأطوار.
هذه الدراسة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة أو هي الوحيدة، فكثير من الدراسات والاستقصاءات الميدانية، لا تبشر مؤشراتها بالخير لمدننا العربية والإسلامية، خاصة في الكثير منها معضلات، وخبايا وعقد اجتماعية مسكوت عنها، لم تتطرق لها الدراسات، وإلا لوجدت حالها أسفل سافلين.
ولولا بعض بوارق الأمل التي تأتينا من حين لآخر لبعض المدن العربية الواعدة والوادعة، والتي تهتم بحالها، بعيداً عن الشعارات السياسية الجايفة، وبعيداً عن الاقتصاد الموجه، وبعيداً عن التدخل في الفتن والمكايد الدولية التي هي أكبر من حجمها، وبعيداً عن ظلم سكانها، بالبناء العشوائي، وبأريفة المدينة، وبوجود بلديات نظيفة اليد والفعل، ومراكز شرطة لا تعرف الرشاوى، مدن تنادي بالتعايش السلمي، وحريات الاعتقاد، والممارسات الدينية المختلفة، والحرية الشخصية المسؤولة، وتوفير ضروريات وكماليات الحياة الحديثة، والجاذبة للآخرين.. حقاً لدينا مدن لا تستحي من حالها!