تماثيل صنعها الخوف

تماثيل صنعها الخوف

تماثيل صنعها الخوف

 صوت الإمارات -

تماثيل صنعها الخوف

ناصر الظاهري

المدن التي تحب بحماسة منقطعة النظير، سرعان ما تنسى وتهجر وتتخلى عن ذلك الحب، لأنه حب غير حقيقي، ولا نابع من القلب، هو حب ربما أجبرت عليه أو خافت منه أو أرادت أن تتحايل عليه، لقد لاحظت ذلك من خلال زيارات لمدن في بلدان عديدة كانت تعاني في السنوات الماضية وطأة الحزب الشامل، والنظام الكامل، والرئيس الغانم الدائم.

في تلك المدن المتعددة في أوروبا الشرقية، وألمانيا الشرقية، وجمهوريات الاتحاد السوفيتي الإسلامية، وذات الأقلية الطائفية، كانت تماثيل الزعماء تملأ الساحات والميادين وصورهم المجسمة مرسومة على جدران العمارات بطولها، ولا تستطيع أن تلتفت لا يمنة ولا يسرة إلا وستجد الزعيم يرمقك بنظرة من عينيه المخادعتين، فلا تعرف منها الحب أو الكراهية أو استجداء طلب للتقديس، وعبادة «الصنم» الذي صنعه الخوف.

هذه المدن الْيَوْمَ، ومن ساعة الانهيار السياسي المدوي، وانفراط عقد المعسكر الشرقي، وهبوب رياح الحرية والتغيير والاقتصاد الحر نحوها، بدأت بتحطيم تلك التماثيل، لا تفرق بين زعيم تاريخي وزعيم مر على الوطن دون منجزات أو إنجازات، فجأة خرج الحب المزيف من القلوب، وانزاح الخوف الراكم والمتراكم على النفوس، وتوحد ليصبح قوة من غضب أو كراهية بأثر رجعي، متحولاً لتلك التماثيل لينتقم منها، ويمسح ظلالها من على الجدران، ويسوي بها الأرض.

ومن رأى بغداد في أعوام صدام أو دمشق في أعوام حافظ الأسد أو مدن المعسكر الأوروبي الشرقي أيام هيبة الاتحاد السوفيتي، كان يصيبه الدوار، ويظل يتفكر كيف يمكن لهذه المدن أن تنسى ما صُبّ على قواعد رخامية فيها، وما طُلي على جدرانها، من يقدر على خطوة العمل الأولى، وهز مهابتها، وجعل المعاول تبدأ من الرأس، لا من القاعدة، وبين ليلة وضحاها وجدت الأرض خاوية من عروشها، وتماثيلها المرعبة للمواطنين، غير أن في وسط هذه المسألة، هناك قادة تاريخيون، لا يحتاج المحتج إلى أن يثأر منهم، ومن تاريخهم مهما كانت فيه أخطاء أو هزائم، لأنه من تاريخ الوطن، وتاريخ تجارب الأمم، وقد تتبعت في هذا الخصوص تماثيل «لينين» كزعيم تاريخي، وليس عابراً في الكثير من المدن التي كانت تزخر بتماثيله، فوجدت تلك المدن على مر الأعوام المنصرمة تتخلص منه، ومن تماثيله واحداً.. واحداً، حتى وصل الأمر لروسيا، ومن بين تلك التماثيل الباقية رأيت واحداً في مدينة « دوشنبيه» عاصمة طاجيكستان، وفِي برلين الشرقية كما كانت تعرف قبل تحطيم الجدار العازل، وعلمت أن السنة القادمة إذا ما زرت تلك المدينتين، فلن أَجِد التمثالين.. لكن يبقى ثَمَّ فرق بين المحبة بالأمر، وأمر المحبة والاحترام!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تماثيل صنعها الخوف تماثيل صنعها الخوف



GMT 19:41 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أزمات إقليمية جديدة

GMT 19:23 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

قيصر روسيا... غمزات من فالداي

GMT 19:19 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

المفهوم الايراني للانتخابات... والعراق ولبنان

GMT 19:14 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة مناخية ملهمة للعالم

GMT 23:17 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

ظهورُ الشيوعيّةِ في لبنان

GMT 02:40 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل

GMT 13:33 2017 الأحد ,24 أيلول / سبتمبر

مقتل صحافية أميركية وأمها السورية في تركيا

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 07:44 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ليفربول يرغب في تخطي عقبة مضيفه باريس سان جيرمان الأربعاء

GMT 21:53 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

فائدة النعناع لعلاج احتقان الانف والتهابات

GMT 00:26 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

توقيف زوج الفنانة نانسي عجرم بعد قتله لصا مسلحا

GMT 06:46 2019 الأربعاء ,10 إبريل / نيسان

غسل الشعر بواسطة البلسم فقط

GMT 15:28 2018 الأربعاء ,25 تموز / يوليو

الفساتين الصيفية" لإطلالة شاطئ مشرقة وأنيقة"

GMT 06:03 2014 الثلاثاء ,19 آب / أغسطس

افتتاح معرض كاريكاتير "نرسم لغزة" في رام الله

GMT 05:42 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

الأحذية المدببة تتربع على عرش موضة الربيع لموسم 2016
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates