حقيبة وتذكرة سفر

حقيبة.. وتذكرة سفر!

حقيبة.. وتذكرة سفر!

 صوت الإمارات -

حقيبة وتذكرة سفر

ناصر الظاهري

في منتصف الثمانينيات، كنت راغباً في زيارة الريف الماليزي، واعداً نفسي برؤية تلك المناطق البريئة والأولية في كل شيء، فنظمونا كفريق صغير تستوعبنا سيارة ذات دفع رباعي، وشملت الرحلة غداء منزلياً تشاهد فيه الريفيات وهن يطبخن في قدور مركبة على الحطب، وربما الواحدة وهي تطبخ، تقوم بإرضاع ابنها الصغير وتتشاجر مع جارتها، ورغم بدء التنغيص من أولها حيث علمت أن الرحلة ستبدأ في تمام الساعة السادسة صباحاً، وأنا ساعتي تتوقف بعد الفجر، فبداية الصباح له عشق آخر، ومتعة أخرى، وأظن أجملها دفء الفراش ومتعة الرقاد بدون تقلب ولا أحلام، لكن لا بأس من كسر إيقاع اليوم لمرة قد لا تتكرر، ولمكان استثنائي!

كنت أول الواصلين، لأنني ببساطة لم أنم، وهذا أفضل من نعاس تظل تحلم فيه بمنبه الساعة وتأنيب الضمير إن تأخرت وأخرت العالم معك، جاءت بعدي بعشر دقائق عجوز أسترالية، قائلة إن صديقتيها أنهتا وجبة الإفطار، وستتناولان الدواء المقرر، وقد تتأخران ربع ساعة، عرفت أن الفريق مكون من أربع عجائز وشاب في مقتبل العمر، بعدما رأيت الرابعة تتبع الظل، وتمشي وتترحطم لوحدها، فحسبت في ذهني ما يترتب على هذه التشكيلة: حمل الحقائب نتيجة بعض الشهامة، وما يتطلبه الذوق من رجل نبيل تجاه نساء رغم انقطاع الطمث عنهن، عدم التذمر من الإيقاع البطيء، ومحاولة مسايرتهن وتتبع خطاهن، وأن عليّ المشي سبع خطوات وبعدها أستريح، وأن أتحمل متطلباتهن ومزاجهن وثرثرتهن وأسئلتهن التي لا تنقطع، وأن أكون يقظاً لئلا تنزلق رجل واحدة، ومتنبهاً لئلا تصاب واحدة بالدوار!

بقين لمدة ساعة، هذه ذاهبة والأخرى آيبة، هذه تكح والأخرى تطمئن عليها، حتى انطلقنا وانطلقن في أسئلتهن، متمنياً أن يغطنّ في نوم متقطع وأنعم أنا بنوم قليل، لكنهن ظللن يشغلنّ صفوف تلك الأسنان التركيبة في الأسئلة وفي قرض البسكويت وأكل التفاح اللائي جلبنه من وجبة إفطار الفندق، وأنا أضجر من أن يأكل أحد جنبي التفاح، فما بالكم وأن النوم كان بالأمس منعدماً والآن كابساً، والساعة البيولوجية مترنحة، والمعدة التي لا تشتهي أكل الصبح متلبكة، ولما بدأت يقظتي المعاندة، غطين هن في نومهن، بقيت طوال الطريق أتفكر في أحوال العجائز اللائي هنّ متشابهات في كل مكان!قضينا يوماً غير عادي، كنت طوال الرحلة واضعاً يدي على قلبي خوفاً على عجائزي، حيث بدوت كمن صحب جداته وتبرع أن يرّفه عنهن ويسليهنّ في خريف عمرهنّ.. كنت مستمتعاً للغاية.. وكنّ يضحكنّ من قلوبهنّ ببراءة طفل!

نقلا عن الأتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حقيبة وتذكرة سفر حقيبة وتذكرة سفر



GMT 19:41 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أزمات إقليمية جديدة

GMT 19:23 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

قيصر روسيا... غمزات من فالداي

GMT 19:19 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

المفهوم الايراني للانتخابات... والعراق ولبنان

GMT 19:14 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة مناخية ملهمة للعالم

GMT 23:17 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

ظهورُ الشيوعيّةِ في لبنان

GMT 02:40 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل

GMT 13:33 2017 الأحد ,24 أيلول / سبتمبر

مقتل صحافية أميركية وأمها السورية في تركيا

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 07:44 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ليفربول يرغب في تخطي عقبة مضيفه باريس سان جيرمان الأربعاء

GMT 21:53 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

فائدة النعناع لعلاج احتقان الانف والتهابات

GMT 00:26 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

توقيف زوج الفنانة نانسي عجرم بعد قتله لصا مسلحا

GMT 06:46 2019 الأربعاء ,10 إبريل / نيسان

غسل الشعر بواسطة البلسم فقط

GMT 15:28 2018 الأربعاء ,25 تموز / يوليو

الفساتين الصيفية" لإطلالة شاطئ مشرقة وأنيقة"

GMT 06:03 2014 الثلاثاء ,19 آب / أغسطس

افتتاح معرض كاريكاتير "نرسم لغزة" في رام الله

GMT 05:42 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

الأحذية المدببة تتربع على عرش موضة الربيع لموسم 2016
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates