تذكرة وحقيبة سفر  1

تذكرة.. وحقيبة سفر - 1

تذكرة.. وحقيبة سفر - 1

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر  1

بقلم - ناصر الظاهري

من أجمل المدن في العالم، مدن الكتلة الشرقية «سابقاً» أو أوروبا الشرقية التي ظلمتها السياسة، لكن أنصفها التاريخ، وشفعت لها الجغرافيا، حيث إن هذه المدن تتعافى بسرعة، ليس كبقية المدن، فقد مر على تاريخها الطويل جحافل جيوش، ومستعمرون، وفاتحون، وطامعون، لكنها سرعان ما تنهض من أحزانها باتجاه الفرح الذي جُبلت عليه، مدن أوروبا الشرقية الجميلة من دون استثناء، هي مدن لا تليق بها «البهدلة والعسكرة والخندقة»، مدن لا يليق لها اللون الخاكي، ولم يُخلق لتبرجها، مثل براغ، هذه المدينة الزاخرة بالثراء والقديم وعتيق الأشياء، مدينة تختصرها الألوان، لتقول لك: أنا أشبه حالي.. وحالي فقط، براغ كانت موطن الفن والموسيقى والعمارة، ورائدة في المعرفة، وابتكار الأشياء، تكفيها جسورها الكثيرة المشيدة للتواصل، والترحيب بالضيف الصديق، تكفيها مبانيها التي خلقت لتبقى، وتذكّر الأجيال بمعنى وحيد للعراقة، كانت تمد سيطرتها وتحكم ما حولها، فكيف لها أن تخضع لسيطرة وقع أقدام عسكر الجيش الأحمر، يأمر مواطنيها بالكدّ المجاني، ويمنع الأصوات المتعددة، والموسيقى المتنوعة، ويُطارد مبدعيها ليضمهم للحزب الواحد والشامل، لذا كان تململها مبكراً، وقبل أن تتقشر جلدة الاتحاد السوفييتي، وفي عز حكم الحديد والفولاذ، فكان ربيعها، «ربيع براغ» نفيراً لشعوب الكتلة الشرقية، وفجراً للمواطن أن يبقى حراً، له لغته، وأدبه وثقافته، ومعنى لتاريخه كيفما يحب أن يعيشه. 

تزورها اليوم، وتمحو تلك الصورة المغبشة بالكآبة، والريبة، ودفن الإبداع، اليوم.. هي لنفسها، هي لبهجتها، تغفو على صباحاتها الباردة بنعومة، والتي لا تختلف عن صباح أوروبي في جهة الغرب، ولها أمسياتها العابقة بالموسيقى والغناء والرقص في العراء، خالية من الانضباط العسكري، وصبغة الرماد، وزوّار الفجر، وتلك الصحف التي تطبع متأخرة بعد أذن الرقيب، ومزينة بصورة الأمين العام للحزب، وتلك التبعية الصامتة للدب الثلجي القابع في موسكو، براغ اليوم متعافية، تلحظها من وجوه الناس، وتلك الابتسامة التي تعني للعملة «التشيكية» الكثير، وأفواج السياح الذين يتقاطرون على المدينة المليئة بالسحر والأسرار والمتع الكثيرة، ولأول مرة تدخل العملة لجيوب المواطنين من دون أن تتسرب أو تحتفظ بها الحكومة الوصية كجدة تريد أن تعيش كثيراً على نفقة أحفادها، اليوم براغ فيها تمثال لـ«كافكا» كاتبها الذي كان ممنوعاً من الصرف فيها، ومطارداً في مدن الضباب، ثمة مقعد خشبي له، ومقهى كان يتردد عليه، وأعماله مصدر فخر المدينة بابنها، بعدما غابت عنها تماثيل لزعماء لا تعرفهم، مثلما ذلك النصب العملاق لـ«ستالين» الذي يحتل جبلاً لوحده، اليوم مكانه بندول زمني رمزي لسباقهم مع الوقت، لقد غابت الألوان الرمادية والأحجار القاتمة من الجدران، ونهرها «فلتافا» المتوحش، يسير بإيقاعه وسط منطقة «بوهيميا» التاريخية من دون أن تكون هناك جثث للمواطنين يسوقها إلى نهايات مظلمة.. وغداً نكمل. 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

نقلا عن جريدة الاتحاد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر  1 تذكرة وحقيبة سفر  1



GMT 21:27 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

قصة عِبَارة تشبه الخنجر

GMT 21:21 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

المرأة ونظرية المتبرجة تستاهل

GMT 21:17 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

«تكوين»

GMT 21:10 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

هل يعاقب فيفا إسرائيل أم يكون «فيفى»؟!

GMT 21:06 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

العالم عند مفترق طرق

GMT 17:50 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:33 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 11:57 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 01:57 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

انشغالات متنوعة التي ستثمر لاحقًا دعمًا وانفراجًا

GMT 01:57 2015 السبت ,03 كانون الثاني / يناير

الفنانة مي كساب تصوّر مسلسل "مفروسة أوي"

GMT 01:19 2014 الثلاثاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

استعد لتسجيل أغاني قديمة وحديثة لألبومي الجديد

GMT 11:27 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

جرأة وروعة الألوان في تصميم وحدات سكنية عصرية

GMT 22:04 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

جزيرة مالطا درة متلألئة في البحر المتوسط

GMT 21:59 2013 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

نشطاء على الفيس بوك يقيمون يومًا ترفيهيًا للأطفال الأيتام

GMT 09:20 2016 الأحد ,03 إبريل / نيسان

متفرقات الأحد

GMT 18:47 2013 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الصين تعرض تصدير 3200 ميغاواط من الكهرباء لباكستان

GMT 04:37 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة حديثة ترصد أهم خمسة أشياء تؤلم الرجل في علاقته مع شريكته

GMT 21:22 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل زيدان "في مهب الريح" للمرة الأولى
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates