بقلم - ناصر الظاهري
في ساحة معبد «أولو واتو» أو الصخرة الأمامية على شواطئ المحيط الهندي، كان المكان يتنفس الطبيعة، وظلال الأشجار العملاقة تضفي عليه سحراً، وكنت سابحاً في بحر من التأملات لولا ذاك النشال الصغير بخفة وزن الريشة الذي أيقظني بتلك المهارة الحقيقية التي لا يقدر عليها البشر، وسرعته الخاطفة، وانقضاضه المفاجئ، وسط غفلة مني أثناء التصوير من مكان مرتفع، تلك تبريرات ساقتها النفس دون اقتناع كبير، لأخفف من وقع الهزيمة التي لحقتني، ثم كلت اللوم على مرافقي السياحي الإندونيسي الذي منذ استقبلني في المطار، وهو طويل جداً بدون داع، ويعيد الكلام مرات ومرات، وكأنه موجهه لصبي صغير بسبب رعبه الوظيفي لكي لا يغلط ويحاسب، لكنني تعرضت للسرقة أمام عينيه، رغم أنه هو من حذرنا بجانب التعليمات السياحية من نشالي المعبد، فطلبت منه أن يراقبني أثناء التصوير، فتطوع وتبرع أن يصبح مثل مساعد المصور الذي لا تعرف متى ينفع، ومتى تقتنع بعمله، صاحبنا بعد السرقة، أطلق الصرخة، وبعد أن لاذ النشال الصغير بصخرة حادة وعالية، وتحتها مهوى عميق يصل للبحر، فلم نقدر أن نصل إليه، رغم محاولاتنا اليائسة لأن نستميله بإرجاع ما سرق، مقابل هدية ستفرح قلبه، إلا أنه ظل ينتقل من مكان إلى مكان بخفة عالية لم نستطع أن نجاريه فيها، وقد تجمع نفر كثير تعاطفاً مع حالتي، محاولين بشتى الوسائل القبض على النشال، حتى مدربه زعيم العصابة لوّحنا له ببعض المال ليعيد لنا الشيء الغالي عندي، وعنده وعند النشال لا يساوي ما أدفعه له الآن، لكن النشال عاند، وأعلن تمرده على مدربه، وظل يتقافز فرحاً كطفل وجد لعبته المفضلة، جلست أتفكر ساعات بعد تلك الهزيمة التي لحقت بي لأول مرة في أسفاري، كان انقضاض النشال سريعاً كالبرق من شجرة عالية، بعد أن حدد الهدف وحدد الطريقة، واستغل نقطة انشغالي بالتصوير، والتركيز على اللقطة، وبحرفية متناهية وصلت يده إلى نظارتي الطبية رغم أنها لاصقة على وجهي وعلى منظار الكاميرا، ولا مجال لمرور إبرة، إلا أنه انتزعها ليعميني، ولا يعرف مقدار الضرر لفقد نظارة البصر، إلا من ابتلى بثلاث درجات ناقص، لقد لاذ قرد المعبد أو النشال الصغير بنظر عيني، وجلس يتفحصها ويضعها على وجهه، ويغيظني بمطّها، ثم قرض أطرافها، وبعد نظرة التشفي الأخيرة حطمها، ثم رماها لنا، شعرت حينها كالمصلي الذي سرقت نعاله من المسجد نهار الجمعة، النعال يعوض، الفضيحة هي المشي حافياً أمام الناس، وهكذا النظارة بقيت كالأعشى بالكاد أبصر طريقي، وأخشى الشماتة، لأني ساعتها كنت لا أفرق كثيراً بين شبح فيلة يتبعها أطفالها، وبين شاحنة مارة صدفة على طريق الغابة!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة الاتحاد