بقلم - ناصر الظاهري
أسقط في يدي بعد أن أسقط ذلك النادل صينية القهوة المنوعة على ذلك الثوب الذي يشي بلمعة رسمية، فقلت: طاح الشر! محاولاً تجنيب ذلك الشاب الحرج، بعد أن أصبحت تلك الغترة والكندورة ما تتشاهد، فوقعت في حيرة، لم يبق على الاستقبال إلا قرابة نصف ساعة إلا قليل، وأنا في فندق، والفندق ليس مثل بيت أم العيال، ولا أحد جنبك من ابن عمك أو صديقك يمكن يفزعك أو يثيبك أو واحد «من سنّاك تتلابس معه»، ونحن «العيّازة» يوم نروح دبي، ولا بنبات هناك، نقول: كندورة واحدة تكفي!
اصطبخ وجه ذلك الشاب خجلاً، وكاد يسقط من ربكته، فأشفقت عليه، وخجلت مكانه، خاصة حين حضر مسؤوله المباشر، ومدير الفندق، واثنان آخران لا أعرف ما عملهما بالضبط، لكن يبدو أن السمين منهما، صاحب مهمات خاصة، وعاجلة، فسخت ملابسي، واحد رَبَع بالكندورة، وواحد تلاقف الغترة، وأجلسوني في غرفة صغيرة خالية، ومنعزلة، أشبه بغرفة المحولات الكهربائية بذلك «الوزار والفانيلة» تقول لدي حصة للصغار عن كيفية صناعة شباك الصيد أو كيف كان الآباء والأجداد يقضون فصل الصيف زمان أوّل تحت ظل اللومية أو مثل «بيدار» ضاوي من نخله، ولا له، ولا عليه!
تعرفون الدقائق كيف تمر، في مثل هذه المواقف والمخاوف، وكيف هي التهيؤات والتخيلات، مرة تقول: فليبينية بتفتح الباب، وبتشوفني بتلك الهيئة المريبة، وبتصرخ بأعلى حسها، مرة يمكن واحد من «الفناتير» من جماعة الـ«سيكيورتي» يشفوك بتلك الحالة، طبعاً لا بيسأل، ولا يريد أن يعرف، يكفيه أنه ضبط واحداً بـ«وزار وفانيله» في فندقه ذي الخمس نجوم، كان الوقت يمر، وكنت أخاف أن أتأخر على جماعتي أو لا ألحق على وقت استقبال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، والأفكار الكبيرة ما زالت تأتي في تلك الغرفة الصغيرة، التي شعرت فيها ببخار الغسالات والناشافات وهي تعمل بكامل طاقتها.
وقبل الوقت بدقائق، حضرت الكندورة واقفة من شدة الكوي والنشا، والغترة معضلة مثل غتر جيرانا، وثلاثة يركضون وراء علاّقة الملابس، التي جاءت مستعجلة من مصبغة الفندق، وفي وقت قصير، حتى أنني ظننت أن المدير هو الذي قام بمهمة الكوي بهذه العجلة، لأنه شغل معلمين بصراحة، استعجلني الرجال الثلاثة، و«قصورهم» كانوا يلبسوني إياها، كانت الكندورة والغترة اللتان تشكلان خارطة أفريقيا أصبحتا أجمل من ذي قبل، وكأنهما ظاهرتان من تحت ماكينة خياط قبل قليل، كانت فرحتي بقدر نيتي، ودفاعي عن النادل الشاب الذي ظل عالقاً في الرأس، فقط كنت أريد أن تعاد له ثقته بنفسه، وأطمئن أن يبقى بوظيفته، وهذا ما وعدني به المدير حين طلب مني إذا ما كانت هناك خدمة أخيرة يقدمها لي.
قبل دقائق من قدوم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، كنت واقفاً في طابور الاستقبال، جافاً، ناشفاً، مغسولاً، مكوياً، بخدمة مستعجلة جداً، وخمس نجوم، وبرائحة طعم قهوة البن البرازيلي!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة الاتحاد