بقلم : ناصر الظاهري
هناك الكثير من المصطلحات التي نستعملها اليوم في عاميتنا، لا ننتبه لها، وكأنها أتت عفو الخاطر أو بالتواتر، في حين هي تتصدر متون الكتب التراثية القديمة، وزخرت بها أشعار العرب وسردياتهم، وكم تفرحني المسألة حين أجد مصطلحاً أو عبارة من عاميتنا متضمناً كتب الأدب والتراث القديم، وهو رد على أولئك الجهلة باللهجة أو الذين يفرحون بإنقاص الناس حقهم، ويعيبون علينا ورود بعض الكلمات الفارسية والهندية والتركية في لهجاتنا، بحكم المثاقفة أو التلاقح الثقافي، إما تجارة أو اتصالاً وتواصلاً.
تقول عجائزنا: «فلان ما يعرف الهر من البر»، والعرب كانت تقول قديماً: «ما يعرف هراً من بر»، والهر هو وعاء الغنم، والبر سَوقَها للرعي، والهر أيضاً اسم من هررته، أي أكرهته، والبر اسم من أبررته، ويقال لمن لا يعرف من يكرهه ممن يبره، والهر السنور أو القط الكبير والبر الجرذ، والهر كذلك من الهرهرة وهو صوت الضأن، والبر من البربرة، وهو صوت الماعز، ويضرب مثلاً لمن يتناهى في جهله فلا يعرف هذا من ذاك!
وفي بعض لهجات أهل الخليج يقال: «هوشه»، ومعناها المشاجرة، وهي عربية، لأن الهوش هو اختلاط الشيء، وفي الحديث الشريف: «إياكم وهوشات الأسواق»، وقوم تهوشوا أي اختلطوا، وهاوشهم خالطهم، وفي العامية تعارك معهم.
ويقول شوابنا: اشتريت «الميرة» للبيت، والميرة هو الطعام يجمع من السوق، وفي القرآن في سورة يوسف (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ).
ونقول في العامية: «والله هذا مب من جيسك»، وهو مثل يضرب في الشخص الذي يأتي شيئاً لم يكن في العادة منه، وقاله عمرو بن معاوية بن أبي سفيان حين دفن أباه معاوية الذي طلب من عمرو أن يبايع أخاه، فتلكأ عمرو في المبايعة، فضمرها معاوية له، وأوصى ابنه يزيد قبل دنو منيته قائلاً: إذا وضعتم سريري على شفير حفرتي، فادخل أنت القبر، ومُر عمراً أن يدخل معك، واخترط سيفك، ومُره فليبايعك، فإن فعل، وإلا فادفنه قبلي، فبايع عمرو يزيداً وقال: هذا ليس من كيسك، ولكنه من كيس هذا الموضوع في اللحد!
ونقول في عاميتنا: «بلغت الحلقة البطان»، والعرب تقول في أمثالها: «التقت حلقتا البطان»، والبطان هو الحزام الذي يجعل تحت بطن البعير، وفيه حلقتان، فإذا ما التقتا فقد بلغ الشد غايته، وهو يضرب في بلوغ الشيء نهايته.
ونقول في عاميتنا: «مرخ سمر»، وهو أطيب الحطب جمراً وأشدها، والعرب كانت تقول: «ليس في الشجر أورى زناداً من المرخ»، وربما كان المرخ مجتمعاً ملتفاً وتعبث الريح فيه، فيحك بعضه بعضاً فيورى ويحترق الوادي كله!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد