بقلم : ناصر الظاهري
بعض الأشهر، الأماكن، الناس، تفرض جوّها عليك، فتصبح تصرفاتك أسيرة لها، تتملكك بحسن المعشر، وبالخصوصية التي تميزها، كالزائر للمدينة المنورة، لا يمكن إلا أن يكون طيباً مثل ناسها الذين يشبهون أعواد الريحان، كذلك رمضان له نفس الصّفة والخصوصية، لقد مر عليّ رمضان في بلدان كثيرة، طقوسه تختلف من بلد إلى آخر بدءاً من إندونيسيا، وانتهاءً بالمدينة التي لا أحب لندن، حتى المدن الرمادية التي تتنفس رائحة العوادم والمصانع، يستطيع رمضان أن يغلف ليلها بنسائمه، لكن ليس مثل مدن الشرق، والبحر المتوسط تلك التي تعطيك شيئاً منها، وشيئاً من رمضان فيها ومنها، أشياء قد لا تعرفها ولا تميزها، لكنها تنفذ في الداخل، فتمتلئ سكينة وراحة لا تعرف من أين تهب، تذكرت الآن قول أحد المجاهدين أو الفاتحين حين دنت منيّته قال «أكاد أشم ريح الجنة»، رمضان هكذا، له رائحة الجنة، وظل الماء.
لقد ارتأيت شأن كل عام منذ ست عشرة سنة خلت، أن يكون عمود كل يوم من أيام رمضان، مختلفاً ومغايراً عن الأيام الأخرى؛ لأن حظ الصحف قياساً بالتلفزيون ومسلسلاته الدسمة المكتظة، والتي يتسابق عليها الجميع، يبدو كئيباً، سأقدم لكم من قراءات سابقة، ومن خزينة مكتبتي، ما أرى أنه يحمل فكرة وفائدة ودليلاً على شيء عميق في الحياة، سيكون العمود أقرب إلى فن المقالة، لا يحمل فكرة واحدة بل فيها التنوع، وإشارات لأشياء قد تستدلون عليها بأنفسكم، وتبحثون عنها بمفردكم، سيكون بمثابة رحلة معرفية، هناك قول مأثور أو حكمة شعوب أو تجارب أمم، قد يكون هناك كتاب أثير على النفس أو هناك شخصية لعبت دوراً جليلاً في تاريخ الإنسانية وحضارتها، وتركت بصماتها التي لا تنسى، هناك أصل الأشياء كيف جاءت كفكرة صغيرة، ثم كبرت مع الإنسان، وتطورت معه، ومع وسائله اليومية، قد تكون هناك فكرة كبيرة لأحداث يومية لكنها مختصرة بكلمة ونصف، ستكون هناك اللغة والمفردة العامية المنسية، وتلك الأبيات الشعرية النبطية الباردة على القلب، ومن محفوظات الصدر. آمل أن تكون «مقالة» رمضان التي ستحمل عنواناً واحداً هو «مقابسات»، حديقة توعد كل يوم بالشيء الجديد والمغاير والمفيد، هو اجتهاد آمل أن يحوز رضاكم، ويسلي صيامكم، ويزيد من خزانة معلوماتكم، فإن أصبت فلا تشكروني، وإن أخطأت فسامحوني، وكل رمضان وأنتم بخير، عسى الله أن يرزقكم من خيره، وفضل سماحته، ويزين بالنور أيامكم ولياليكم، ويجعلكم من عتقائه، اللهم آمين..