بقلم : ناصر الظاهري
لا يكاد يجتمع لفيف من العرب، وتدور بينهم نقاشات حامية الوطيس، وحوارات متشعبة الأشجان والشجون، إلا وتجدهم قد انفرزوا كتلاً، وشعوباً وقبائل، وتمترس كل واحد منهم وراء خندقه، يذود عنه أو يلوذ بالفرار من ذلك الاجتماع يريد النجاة بالنفس أو اعتزال الجماعة، وستسمع حينها التهم المعلبة والجاهزة التي يكيلها كل فريق للآخر أو كل شخص للطرف الثاني، هذه التهم أحياناً لا يعرفون تعريفها الصحيح، ولا دلالتها الحقيقية، مثل ذلك لا يفرّق بين الشيعي والشيوعي والشعوبي، لأنها معجونة في رأسه فقط، تهمة الانبطاحي والرجعي والتقدمي والعلماني، تهم مفصلة على قياس واحد، ويلبسونها لأناس مختلفي الأحجام، ومختلفة الملل والنحل، بعض التهم قديمة، ولكنها تستعمل اليوم في غير محلها ولا وقتها، فربيب الاستعمار، وذيل الإمبريالية الرقطاء، والرفيق الأحمر، والبروليتاري الرَثّ، أشياء من ماضي الحرب الباردة، وغبر عليها الدهر، لكنها ما زالت معششة في رؤوس من يحبون التهم المعلبة والجاهزة، ليرموا بها الآخرين.
ولقد مرّت على الوطن العربي حقب بعد التحولات «الثورجية» مع نهاية الخمسينيات وفي الستينيات، كان هناك قفص يتسع لكل تلك التهم المعلبة، وكان مسؤول عنه شخص مهمته الأساسية في الحياة أن يملأ الخانات الفارغة بتلك التهم، ومن ثم سيجد لها المواطنين المناسبين، ليوقعوا عليها اعترافاً وبصماً، وبعضهم كان يوقع على تهمته الجاهزة دون أن يعرف فحواها، ولا حتى معناها، كانت الكتلة الشرقية لها اتهاماتها المعلبة، وتصنيعها غير المتقن، والكتلة الغربية لها اتهاماتها المعلبة، والمزينة بأشرطة، والمغلفة بإتقان، حتى إن البعض كان يتباهى بأنه محسوب على أميركا أو فرنسا، وفي منطقتنا كانت تلك المصطلحات لها تفسيراتها العجيبة، فالإمبريالي أفضل من الشيوعي، لأنه على الأقل يصلي، ويرتاد المساجد، أما الشيوعي فهو ملحد، ولا يعرف ربنا، وكذلك مصطلح العلماني الذي أشاعته الجماعات المتدينة لضرب المثقفين والتنويريين، ومفكري الإصلاح، والتيار الوطني، وقد استعملوه من زاوية ضيقة لا تخص المصطلح مطلقاً، فالعلماني عند الجماعات المتدينة هو من كان ضدهم، ولا يصلي فرضهم، ولا يتبع سنة نبيهم، ومرات يزيدون على المصطلح من فرط جهلهم وحماستهم التي في غير محلها، فيكيلون على العلماني، صفة كافر وملحد وزنديق ومن أصحاب الهرطقة.
لقد ضاع شباب كثير وعبر أجيال مختلفة في الوطن العربي نتيجة تلك التهم المعلبة، ومسبقة الصنع، والمعاد تدويرها ليلصقوها بأشخاص كان الكثير منهم من المخلصين، ومن محبي الأوطان!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد