ناصر الظاهري
الْيَوْمَ تزاد على فوائد السفر الخمس، فائدة جديدة، وهي الرضا من الغنيمة بالإياب أو أن تكتب لك السلامة من دهس بسيارة مجنونة أو قنبلة موقوتة أو طائرة مخطوفة أو تصبح رهينة محبوسة أو تفاجأ وأنت تتسوق بطلقات تحصد العباد الغافلين، لذا تجد التربص والهيبة والتحفز سمة المسافرين الْيَوْمَ، فالعيون تناظر، والتحليلات تشتغل في الرأس، والسلام بالأحضان صار معدوماً، لأن إنسان العصر معظم مصائبه الْيَوْمَ من الأحضان الملغومة أو الخصور الناسفة أو ما يخبأ وراء الأكمّة أو ما يتبع التشهد بصوت عال. على أيامنا الجميلة كنّا نصادف في السفر عادة شخصيات قلقة، فكنا لا نعيرها الاهتمام، على اعتبار أن عجلة الحضارة، والتطور الصناعي، والزمن المادي جعل الإنسان كائناً قلقاً على كل شيء، ومن أي شيء، غير أنه في وقتنا الأغبر هذا، إذا التقيت بشخصية قلقة، فإنك تجلس تضرب وتقسم وتطرح، ثم تجمع شتات الذهن للمراقبة والتحليل، ومحاولة قراءة لغة الجسد، فبمجرد أن ترى شخصية من ذاك النوع أو تجلس جنبك أو أمامك، وتجدها محاطة بالشكوك، وتشكّل غبشاً في العين، حتى تنقل لك عدوى القلق بسرعة، خاصة ونحن نعيش في وقت الانفلات، واختلاط الأمور، والاشتباه عن بُعد، وأن كل مهاجر مشروع إرهاب «مُوَقت، ومؤقت».
اليوم تجد الناس يناظرون لحقائب بعضهم بعضاً، أكثر من التمعن في الوجوه، ومسرّة المُحيا، أي حزام بارز حول البطن، ولو كان مربوطاً على الطِوى، واتقاء الجوع والإملاق، يعني حزاماً ناسفاً، وأي امرأة منتقبة بالسواد، وبقفازات في بلد غير ثلجي، وتتجول متلفتة ذات اليمين، وذات الشمال، يلعب بك الشيطان ثالثكما، ولا ترى فيها إلا أنها مشروع مبكر للموت، بعكس طبيعتها وفطرتها في إطلاق الولادات، ومنح الحياة لشخص كان يلعب في أحشائها تسعة، وصبرت عليه وعلى الألم، تلك الرسالة الأزلية لكل أنثى على الدوام، فكيف إن كان الجالس أمامك ممن ليس بالنباتي، وعدواً لـ«بوذا» دون أن يعرفه، ولا في نيته الصفح والتسامح إن لطمه شخص على خده الأيمن، أدار له خده الأيسر، شخص يحمل صفة «الدبل» في تكوينه الجسماني، فالكف عن كفين، والخد عن اثنين، وكأنه خلق ليزهق أرواح المسالمين في الحياة، خاصة وأنه ليس في جلسته تلك، شيء ينم عن غير عدوانية، لا تعرف مصدرها.. ونكمل غداً.