تذكرة وحقيبة سفر 1

تذكرة.. وحقيبة سفر -1-

تذكرة.. وحقيبة سفر -1-

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 1

ناصر الظاهري

بداية الثمانينيات، كان بإمكانك أن تحمل تذكرة، وحقيبة سفر، وتتنقل بين بلدان عديدة تفصل بينها بحور، وتوجد بينها حدود، ولا أحد يسأل عنك، ولا ما تحمل، ولا أين وجهتك، والأهم أنك لا تحتاج لسمة دخول لها «فيزا»، في مثل تلك السنوات السمان ذهبت للدراسة في لندن، ومكثت شهرين، واستقررت عند عائلة إنجليزية، وبأجرة أسبوعية، لا تتعدى الواحد والعشرين جنيهاً إسترلينياً، ورغم أن الإسترليني يومها بتسعة دراهم، فإن «البوند.. بوند»، تذهب للمطعم التركي، وتمزر بطنك بـ«سندويتش شاورما، وخبز تنور، وسلطة، وكولا» بجنيه إسترليني، ليس الآن صاحب المطعم اللبناني، الإسترليني عنده يشبه الليرة اللبنانية، وتظل تشكو من أن أكله شبه بارد، سائق الأجرة اللندني، يظل يحوط بك تلك الشوارع، وفي الآخر، ينزل ويفتح لك الباب، بتهذيب تقليدي، اعتاد عليه، وفرضته عليه مهنته، تقبضه ما يسره، ولا يتعدى الجنيه ونصف، والبقشيش بنسات قليلة، الآن تسمع السائق الباكستاني يتأفف قبل أن تركب تلك السيارة التي ذهبت نظافتها، والسائق الأفريقي الكومنولثي يتمنى أن تكون فتحة العداد بحجم فتحة أنفه، بخمسة جنيهات، وليت الزبائن لا يثرثرون معه كثيراً، غابت الأصالة والبساطة والتقليد الإنجليزي الصارم، وحضر الغلاء، وعدم قيمة ما تقدم، مقابل خدمات أساسية، وليست تَرَفية، وانتقل الشارع بكل لغته الفجة، وتفاصيله في حياة الناس، والتي ذهب رقيها، وسمو ألفاظها ومعانيها.

بعد لندن استقللت قطاراً، ثم أبحرنا باتجاه فرنسا، وبتذكرة طلابية «أون ديك»، ومن ثم قطاراً آخر حتى باريس، ولا أحد يسأل عن «جواز سفرك، ولا فيزتك»، ومثلما ودعت الجنيه الإسترليني العريق، استقبلني الفرنك الفرنسي «الحر»، وبأجرة لا تتعدى الستين فرنكاً استطعت أن أجد مكاناً في نُزل الشباب التونسي، صحيح أن الحمامات عامة، ومشتركة، والاستحمام يحتاج التنقل بين الممرات بالفوط القطنية الرخيصة، لكن بعشرين فرنكاً تستطيع أن تجلب دجاجة ظلت تتقلب على «الشَوّاية» ساعات، وخبزتين «باكيت» من الذي تحبه قلوبكم، وزجاجة كولا بحجم عائلي، وبطاطا مقلية بلا قياس، اليوم العشاء بعشرين يورو، وتقول: يا ليت أن أشبع، لقد عانينا بفرح، لكننا كنا سعداء بأشيائنا البسيطة، لذا تجد الآن تخرج بحسرة كلما ذهبنا لتلك المدن، وتذكرنا أيامنا، وتذكرنا كيف كانت الأمور، وتذكرنا الحفاوة، لا كراهية، ولا شر مضمر، ولا اتهامات مبطنة، ولا تفكير بالأذى، ولا تلك النظرة الدونية، والتشفي بالتفتيش، ولا حتى تلك الروح العدائية تجاه الآخر، وتجاه ما يحمل في يده، جاءت الجريمة.. وغداً نكمل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 1 تذكرة وحقيبة سفر 1



GMT 19:41 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أزمات إقليمية جديدة

GMT 19:23 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

قيصر روسيا... غمزات من فالداي

GMT 19:19 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

المفهوم الايراني للانتخابات... والعراق ولبنان

GMT 19:14 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة مناخية ملهمة للعالم

GMT 23:17 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

ظهورُ الشيوعيّةِ في لبنان

GMT 08:12 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"برشلونة يحسم صدارته للمجموعة الثانية في "دوري الأبطال

GMT 06:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

توم هانكس يؤكد أن عرض فيلم "غرايهاوند" 10 تموز

GMT 08:32 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مانشستر يونايتد يفقد شاو في مباراتين

GMT 13:17 2018 الجمعة ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أروى جودة تُؤكِّد على عدم الاشتراك في مسلسل "قيد عائلي"

GMT 07:56 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

سيف بن زايد يستقبل شيخ الأزهر الشريف

GMT 00:51 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

"برشلونة" يرغب في ضم البرازيلي إيميرسون أباريسيدو

GMT 01:16 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

فهمي الخولي يُقرر تحويل رواية "الأرض" إلى عرض مسرحي

GMT 13:40 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

إطلالات أنيقة بالحجاب على طريقة الفاشونيستا صوفيا غودسون
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates