تذكرة وحقيبة سفر 1

تذكرة.. وحقيبة سفر -1-

تذكرة.. وحقيبة سفر -1-

 صوت الإمارات -

تذكرة وحقيبة سفر 1

بقلم _ ناصر الظاهري

بعض المدن لو زرتها مرة، وزرتها بعد أكثر من مرة ستجد الابتسامة نفسها، والحب المنزوي في ثناياها التاريخية، ولا نزعة كراهية، أو عدوانية ترسلها تجاهك، هي متصالحة مع نفسها، ومع أشيائها، ولا تريد أكثر، فيينا واحدة من تلك المدن، ولا تمل من حضورها، وحضرتها، وأحياناً تذهب معك لمدن أخرى لتفرض عليك التفاضل، ولا تمنعك من مقارنة تبدو لصالحها دوماً، وأبداً، فيينا قد تأتيك في ليل، لتشعله بموسيقاها، كما أن لها صباحات باكرة وضاحكة، إما تكون قد اغتسلت فجراً بالمطر، أو باغتها مع شقوق الضوء الخجول، تاركاً لمعة غير صاخبة له على حجرها القديم المرصوف، مخطئ من يظن أن لا رائحة لصباح فيينا المختلط بدفء القهوة، ورجفة البدن التي تتسلل من تحت الأردية الثقال، وتلك الغمامة كسحابة باردة تطوف سماء المدينة، تصبّح على البيوت والوجوه، أحداث التاريخ المختلط بالحب والحرب والفن وسيرة العظماء والذي تحظى به بعض المدن من دون غيرها، والذي يفرض هيبته ووقار حضوره على زوار المدينة الغرباء.

صباح فيينا الذي يشبه صفحة خد صبية في كامل صحتها وأنوثتها ونضج اكتمالها، صباح غير متثائب، لا يشعرك أن أحداً أمسى يتقلب في فراشه ليلاً، أو أن هناك نفراً كثيرين مدينون لبنوك عدة، أو أن هناك نصّابين باتوا على وجع سرقة حلال الآخرين، أو ثمة حسد بات يمشي على قدمين، لمجرد أن ما عند الآخرين، أشهى وألذ، وأنا أولى به، ومنهم، صباح من الصحو واليقظة المباركة، وفرح باتجاه إيقاع اليوم، وزهو الحياة والعمل، صباح فيه بِشر، وربما جاء معه خير كثير.

صباح فيينا، قادر أن تقبض على كل تفاصيله الصغيرة، موظفة الاستقبال في الفندق اللامع، وبياض ياقة قميصها الأبيض المثوثب بما أعطاها الوهاب، وما أسعد أمها أياماً طوالاً، وما جعلها تكتشف أن لجغرافية الجسد زهو كلبس التاج، نظافة تعاريج الأذن بطريقة غير اعتيادية، وتلك الحمرة الدائمة في شحمة الأذن، والتي تكاد تشعر بسخونتها، البواب السمين كعجل لا يكف عن النمو، وإتقانه لغات عدة أكثر من المدير نفسه، وحب النزلاء له أكثر من مالك الفندق ذاته، طالبة جامعية تلاعب دراجتها كتلميذة مجتهدة، داعبتها مرة أحلام الدراسة التخصصية في لندن أو أميركا، عمال متفانون يُصَحّون سُكرة صباحهم بكسرة كأس أخير، بائع الزهور الذي يكره التقاعد، وتوزيعه للندى على بتلات، وأوراق زهر التوليب، يشعرك أنه والمدينة في طقوس حب تاريخي سيدوم طويلاً، ذلك الرجل المحترم الذي ما زال مخلصاً لذلك البنطلون المخمل البني، والصديري المتماهي مع المعطف الصوفي، وربطة العنق، ومنديل الجيب كعادة أزلية له حينما يخرج من بيته إلى الدنيا، الجلسة نفسها في المقهى، وزيارته شبه اليومي لتلك المكتبة، التمتع بتقاعده الذي جاء متأخراً، وفرحه بملكية الوقت.. ونكمل

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تذكرة وحقيبة سفر 1 تذكرة وحقيبة سفر 1



GMT 21:27 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

قصة عِبَارة تشبه الخنجر

GMT 21:21 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

المرأة ونظرية المتبرجة تستاهل

GMT 21:17 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

«تكوين»

GMT 21:10 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

هل يعاقب فيفا إسرائيل أم يكون «فيفى»؟!

GMT 21:06 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

العالم عند مفترق طرق

GMT 17:50 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:33 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 11:57 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 01:57 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

انشغالات متنوعة التي ستثمر لاحقًا دعمًا وانفراجًا

GMT 01:57 2015 السبت ,03 كانون الثاني / يناير

الفنانة مي كساب تصوّر مسلسل "مفروسة أوي"

GMT 01:19 2014 الثلاثاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

استعد لتسجيل أغاني قديمة وحديثة لألبومي الجديد

GMT 11:27 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

جرأة وروعة الألوان في تصميم وحدات سكنية عصرية

GMT 22:04 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

جزيرة مالطا درة متلألئة في البحر المتوسط

GMT 21:59 2013 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

نشطاء على الفيس بوك يقيمون يومًا ترفيهيًا للأطفال الأيتام

GMT 09:20 2016 الأحد ,03 إبريل / نيسان

متفرقات الأحد

GMT 18:47 2013 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الصين تعرض تصدير 3200 ميغاواط من الكهرباء لباكستان

GMT 04:37 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة حديثة ترصد أهم خمسة أشياء تؤلم الرجل في علاقته مع شريكته

GMT 21:22 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل زيدان "في مهب الريح" للمرة الأولى

GMT 18:49 2020 الثلاثاء ,16 حزيران / يونيو

28 موديلا مختلفا لقصات الجيبات

GMT 04:49 2020 السبت ,18 إبريل / نيسان

تسريحات رفع ناعمة للشعر الطويل للعروس

GMT 03:10 2019 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مي عمر تنضم لمسلسل محمد رمضان "البرنس" رمضان المقبل

GMT 02:53 2019 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

إطلاق مجموعة "لاكي موف"من دار "ميسيكا" باريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates