بقلم : ناصر الظاهري
الغلاء لا يرتفع فجأة، ولا يباغت الناس على حين غفلة، ولا يهجم بضراوة، إنما يجري جري بداية السيل في الوادي أو يتسرب تسرب الماء خلال الأصابع، يزحف زحف ملساء البطن من الدواب حتى يتمكن، ساعتها يتصايح الناس، كيف جرى؟ وماذا جرى؟ ولمَ جرى؟ فيستذكرون أيامهم الخوالي، ولياليهم البيضاء حتى إنهم يترحمون على «أيام اللؤلؤ»، ويحنون إلى أيام «البليب»، حين كان ملء خزان السيارة إن زاد..
لا يتعدى المائة وعشرين درهماً، واليوم غدا بثلاثمائة درهم، تجدد ملكية سيارتك بثلاثمائة وخمسين درهماً، ولو استخرجت بدل ملكية فاقد ولو بعد يوم، عليك أن تغرم ثلاثمائة درهم أخرى.
بعض غرامات الرادار ستمائة ولو كنت تمشي بسيارتك الثمانية «سلندر» على الماء ستين كيلو متراً في الساعة، يعني ما ناقص إلا يطلبون من الناس أن يقلصوا سياراتهم، والآن ليس هناك سيارات تمشي ستين كيلو متراً، إذ عدادها يبدأ بأربعين، ثم إنها أسوة بعداد سيارة الأجرة الذي سيبدأ بخمسة عشر درهماً، رحم الله «تكسي مال أرباب»، كان «خان» يفتح عداده بنصف درهم، وحين زاد صار بدرهم، وتلقى «خان» متلوم في الناس، بعض من الأصدقاء الذين يطقطقون في سوق العمل بعد تقاعده، يقول لي إنه يدفع على رخصة تجارية بسيطة رسوماً مختلفة كل سنة فوق الأربعين ألف درهم، فقلت له بسذاجة من ضمنها إيجار «الحفيز»، لأن دكانه بباب واحد، فناظرني نظرة حتى كدت أقول ربما افتكرني من جابي الضرائب.
لقد تحولنا نحو الاستهلاك، وتحولت الأسعار مع سرعتنا، فما كنت تملأ به عربة من الفواكه والخضراوات ومقاضي البيت بخمسمائة درهم، أصبح اليوم بألف ويزيد، الإيجارات هذه تطير بـ«براشوت» تصل مداها، وحين تنزل تنزل باستحياء حتى صارت بعض العمارات تصفر، ولا تسمع فيها إلا صدى صوتك، وتذكرة السينما تعدت الخمسين، وغسيل السيارة أتوماتيكياً بحدود الأربعين، وسندويتش الفلافل الذي كنت أعتقد أن كل شيء يمكن أن يغلى إلا سندويتش الفلافل، لكونه يحتوي على نفس الكميات والنوعيات صار بعشرة دراهم بدلاً من درهم ونصف ودرهمين، وإذا لفّوه لك في ورق «سوليفان» وصل عشرين درهماً، قلنا بنرد على «أبياب المالح» و«الجسيف والمدفا»، قال لك لو تدري بكم يبيعون اليوم «بيب المالح»، هذا الاختراع الذي أوجده الأهل الأولون، ولَم يعرفوا أن يستغنوا عنه، ولا منه..!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد