بقلم : ناصر الظاهري
لم نصدق أن رئيس الوفد نسي عقاله، وهو الذي كان يذكرنا طوال الطريق، لا تنسوا جوازاتكم، لا تنسوا البشوت، لا تنسوا أن الزيارات الرسمية ستكون بالزي الوطني، في البداية كنّا ننعق بصوت واحد: لم ننس شيئاً، وحين تكرر تذكيره، مثل معلم الكشافة، اكتفينا بهز الرؤوس، لكنه حينما أعلن على استحياء أنه نسي عقاله، تطاير ما بقي في الرؤوس، وحاولنا تدارك الأمر بأي طريقة، والكل يبحث عن حل، فالمسألة ليست فانيلة أو وزار، يمكن لأحدنا أن يسلف رئيس الوفد، ليضمن مقعداً مؤكداً في الرحلة المقبلة، المسألة مسألة عقال، يعني مستحيل أن يكون عند المواطن أكثر من عقال واحد، يظل «يشالي به سنين ومنين»، حتى يَمّلَحّ أو يقوم أحد الأولاد الأشقياء وينسِلّ هدوبه أو يظل يميطه حتى يصبح مثل «الطَوّاق»، ساعتها يفكر في تغييره، لذا صعب الأمر علينا، من أين نأتي بعقال في طاجيكستان، لو كانت «طاقية مزرّاية» أو طاقية تشبه طواقي الحجاج، لكان الأمر سهلاً، هذا عقال، وعقال مرعز، فكرنا نلجأ للسفارة، ونقصد سعادة السفير، رغم يقيننا أن لا أحد لديه «عقال احتياط» حتى السفير، فاقترحت على أعضاء الوفد اقتراحاً من كتب التراث القديمة التي أواظب على قراءتها في وقت الفراغ دون تبصر، لكنه لم يلق قبولاً، وذلك بأن نبحث تحت الأشجار الكبيرة، فربما أحدهم عقل ناقته وتوكل، ونسي عقالها تحتها أو بعير قصّ ربقه أو خطامه، فبقي لائثاً تحت رمثة، فلما وجدت الامتعاض بادياً على الوجوه، خاصة رئيس الوفد الذي لا يحبني كثيراً منذ أن طبق نظام الكمبيوتر على العاملين كافة، والزموا بـ «سيستم» داخلي جديد، لا يروق كثيراً للموظفين التقليديين، وكان لي فيه إسهام واضح، فأردت تلطيف الجو المشتعل، فقلت متميلحاً: «تدرون في الزمن الأول، وحينما يكون الزوج مستعجلاً، ويريد أن يظهر من البيت مسرعاً، ويبحث عن عقاله ولا يجده، تجد «المعزبة مب الذميم»، تأخذ من طرف ذائل ثوبها، وتقصه ليتعقل به زوجها»، فتنهد رئيس الوفد مثل الضب العطش، حينها أيقنت أن لا مكان لي في أي رحلة رسمية قادمة، فلذت بالصمت.
بعضهم اقترح أن نبحث في سوق الغزل والنسج، فربما وجدنا ما يشبه «الخزام» الصوفي ساعتها تحل المشكلة، لأن الخزام من التراث الأصيل، واحد اقترح على رئيس الوفد أن يتعمم، ويضرب بـ «الحمدانية» أو يتسفر، فأضمرها له رئيس الوفد، وأعتقد لا محالة أن هذه الرحلة ستكون الأولى والأخيرة لصاحب هذا الاقتراح المجاني، وكادت الرحلة تتعطل بسبب عقال رئيس الوفد، ولا أحد جسر أن يقول له: تنح جانباً، وأترك نائبك يحلّ محلك، لأن لديه عقالاً، وأنت بلا عقال، لو سمع ذلك لزاد سخطه على الزوج المصون التي نسيت عقاله، وجعلته في موقف حرج، وربما أرجعنا على أول باخرة عائدة إلى البلاد
ونحن في خضم تلك الوقيعة التي سببها عقال رئيس الوفد، وبعد أن علت الأصوات، انبرى أستاذ أكاديمي من ضمن الوفد، وكأنه ليس من الوفد، لأنه كان دائماً ما ينزوي يكتب أشياء لا نعرفها، بحيث لا تفوته شاردة أو واردة، بدا منشغلاً في بحث أكاديمي، ربما لن ينتهي قريباً، في حين أعتقد أنا جازماً أنه كان يكتب كلمة رئيس الوفد، دون أن يدري شيئاً عن عقاله، فلما تساءل عن سبب هذا الضجيج المفتعل، قلنا بصوت واحد: «رئيس الوفد جاء من دون عقال»، فقال ببرود: «لا مشكلة البتة»، فلما قال: «البتة»، عرفنا من وجه رئيس الوفد الباسم أن هناك مواطناً وحيداً يمشي، ويحمل عقالاً بصفة احتياط!
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد