العين تقرأ

"العين" تقرأ..

"العين" تقرأ..

 صوت الإمارات -

العين تقرأ

بقلم : ناصر الظاهري

كلما أقيم معرض للكتاب هنا أو هناك في المدن المختلفة أتذكر بداية القراءة الأولى، وبداية العين كيف امتلأت وقرأت، و«العين» كيف حضّت وعضّدت، حتى غدت القراءة شيئاً من طعام اليوم، من طقس اليوم، من عادة تتمنى عدم الفكاك منها، وإن وَهَن النظر، لأن القراءة هي التي تدفع بك لوهج الحرف، والاحتراق بجذوة الكتابة، وشرر القلم أو قبس النون، وألق القاف، كانت القراءة هي الحادي دائماً، وهي المحرّض على الأسئلة، وفهم أمور الحياة والكون، هي التي زجّت بك في بحور الأسفار، والذهاب بعيداً، وعميقاً في الأشياء.

لم تكن القراءة ميسرة، لا كتب للأطفال، ولا أخرى للراشدين، لا مكتبات، ولا أرفف للمجلات، لا صحف بهذا الحجم، ولا سهولة المواصلات أو الاتصالات، كنا نبحث عن الكتاب، ونقرؤه متهالكاً، والمجلة تصل إلينا بعد أن فقدت ربع ورقها، وانمحى بعض حبرها، وقصقصت الكثير من صورها الملونة، كنا نبحث عن أوراق مغموسة بالأحبار والأفكار، ولو طوينا فيها الخبز،

أو حملنا فيها قوالب السكر، كنا نبحث في مكبّات المستشفيات، والبريد، ومعسكرات الجيش، كنا نركض وراء ورقة مسافرة من مكان إلى مكان، أو نلهث خلف تلك القصاصة المشاغبة التي تزاغيها الريح حتى يصطادها شبك واهن، مثل طير مهاجر، أو تلتصق بجدار تستشعر دفء الطين، أو تمنعها شجرة، وتخلصها من رحيلها النازف، أو تنشب في رمثة برّية، قبل أن تحرقها

شمس النهار.هكذا كانت مشقة القراءات الأولى، تعب الهرولة وراء وهج الحروف، ومسطحات الورق، وبين رحلة النون والقلم، وما يسطرون، حيث استقرت النفس الأمّارة بالقراءة والكتابة، مستشعرة حالاتها الأولى، وفرحها السرمدي، كانت الكتابة على جدران الطين والجص، متنفساً طفولياً، لرؤى أحلام، كان يسّربها لنا المذياع القديم الرابض كأسد هرم في ركن

البيت الطيني، أو ذلك العجوز العدني الذي زار بحار العالم، ويعرف عن ثورات، ومستنقعات، وشياطين مثل جيفارا.
وذات يوم أدخلتني القراءة حديقة الدهشة والمسرة، وفتحت لي خزائن الحكايات، وأسرار الولوج في نفق الكتابة التي كانت تتراءى لي مرة، لينة طيعة، كصلصال لم يتكون بعد، ومرة كعود سمر أكلته الشمس حتى قسا، مرة كسراب يسبقني، وأخرى كشق فجر نديّ، وقالت لي: فقط تذكر.. فقط لا تنس، ولا تخش بأساً ولا رهقاً.هكذا بدأت القراءة الأولى، وهكذا تبدو الأسئلة

الصغيرة التي تشد مفاصل الحياة، موجعة للرأس أحياناً، غير أن بها لذة المعرفة، وطعمها السكر، ونشوة التذكر، وهذا السَفَر البعيد، والسِفّر الكبير!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العين تقرأ العين تقرأ



GMT 04:32 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

لحظة تأمل

GMT 04:32 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

حرب الجنرال الغائب

GMT 04:30 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

كِتاب غزة

GMT 04:29 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

الحرب الثالثة ماذا بعدُ؟

GMT 04:29 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

«أوديب».. وقد غادر الطائرة

GMT 04:25 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

وزراء كانوا هنا

GMT 04:24 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

القرار الخاطئ

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 19:17 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 09:01 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبشرك هذا اليوم بأخبار مفرحة ومفيدة جداً

GMT 06:17 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

افتتاح معرض رأس الخيمة للكتاب بمشاركة 76 دار نشر

GMT 02:43 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على مواعيد مباريات منتخب مصر في كأس العالم

GMT 08:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

تخريج الدفعة الأولى من برنامج قيادة الأعمال الإنسانية

GMT 18:45 2015 الخميس ,22 كانون الثاني / يناير

معرض دبي العالمي للقوارب يعزز مكانته العالمية في 2015

GMT 21:44 2014 الأربعاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

السعودية تشارك في معرض برشلونة للكتاب في دورته الـ32

GMT 01:38 2014 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

جامعة كينياتا تمنح سيدة كينيا الأولى الدكتوراه الفخرية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates