بقلم : ناصر الظاهري
تتذكرون تلك الورقة التي تظهر فجأة في أيدي الناس، وترجف فرائص البعض إن لم يتتبع النصائح التي فيها، وفق مروية الشيخ أحمد حامل مفاتيح حرم الرسول الكريم، وحلمه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو يوصيه في المنام، ويخبره أن القيامة قريبة، فيسعون لنسخها قديماً، واليوم طباعتها وتصويرها لعشرات النسخ وتوزيعها على الناس، لأن موزعها سيرزق من حينه بالخير، وستلقاه العافية عند ناصية الطريق، ومن يعرض عنها، يتوقع أن تصيبه مصيبة قريبة فيه وفي أهله وماله.
أول مرة وقعت في يدي هذه الورقة منذ أربعين عاماً مما تعدون، وكانت يومها مهترئة، ومكتوبة بخط يشبه خط كتابة «المحو»، أعطاني إياها شخص يشبه المطوفين، لا أتذكر وجهه، وحذرني بطريقته، وزيادة عما في الرسالة بأني سأذهب إلى النار إن لم أوزعها، وأن «...» - أجلّكم الله - سيتحير، وما أن قرأتها حتى دارت بي الدنيا، وشعرت أن يوم الحشر والقيامة قريب، فأسرعت إلى غرفتي، وبدأت أخطها بطريقة طلاب شهادة الدراسة الابتدائية العامة، فوقتها لا طباعة ولا تصوير «فولسكاب، ولا ستانسل»، ولا غيره، كنت مثل شيخ الورّاقين حينها بقلم حبر «باركر 21 بو بامب»، كان من «شفايا الحج»، لكن غلبني النوم، ولَم أتمم كتابة خمس وعشرين نسخة منها، وربما راودتني العواقب في منامي، وخشيت أن لا يصبح عليّ الصبح، وربما لا أستطيع أن أريق الماء، بقيت أنسخ تلك الورقة أياماً حتى عَنّت يمناي، ووضعتها عند عتبة ذلك المسجد الطيني المحاذي للبيت، والذي جل من يأتي مصليّاً فيه، لا يقرأ ولا يكتب، وبقيت تلك الأوراق التي اجتهدت، وتعبت في تحبيرها حتى حملتها الريح إلى مكان بعيد.
اليوم.. يرسلونها بطريقة إلكترونية، مع تبدل في الفحوى، وتغير في العقوبة حسب معطيات العصر، وحده الشيخ أحمد الذي لا نعرف أباه، ما زال حارساً للحرم المدني معانداً الدهر، ولا يفنى.
تذكرت تلك الرسالة بالأمس حين وصلت هاتفي، وبريدي الإلكتروني، والتي اتخذت ربما موقعاً على الشبكة، محذرة قارئها بتوزيعها على كل «القروبات» المشترك فيها، بدلاً من نسخها في غابر ذلك الوقت، ولا ينسى أن يعمل «لايك» وإلا كان السطو على بريده، وسيبتلى بـ «الهكرز»، ولن تقوم لنقاله الجديد قائمة، وفي الرسالة أن هناك «قروبات» امتنعت عن تعميمها وتداولها، فانهارت تلك «القروبات» عن بكرة أبيها، وانسحب الأعضاء منها الواحد تلو الآخر، وأن مدير أحد هذه «القروبات» سخر من الرسالة، والعياذ بالله، فحلّت على حسابه الفيروسات، وأبتلي بلاء عظيماً! في حين أن أحد المغردين جزاه الله خيراً، عممها في «التويتر»، ونشرها على «السناب تشات»، فأجزي في الدنيا بعد أيام بمال أتاه من مجهول، وثوابه في الآخرة إن شاء الله الرسالة بعشر أمثالها.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد