بقلم : ناصر الظاهري
- تلتقي صدفة في دروب الحياة مع أشخاص كثيرين، تنتقي أحدهم، تتعشم فيه الخير، تراهن عليه، تتمنى أن تطول رفقة الدرب، تخلص له، ترمي عليه بعض أشغالك ومشاغلك، لأنه مصدر ثقتك وعنوان محبتك، وكلما انقضى وقت من المعرفة والزمالة والمرافقة، فتحت له خزائن القلب، وخزائن البركة، وخزائن الثقة، أحياناً تقتطع من لقمتك لتطعمه، ومن شربتك لتسقيه، وأحياناً كثيرة تتفضل عليه بالكثير والكثير لكي لا تنكسر عينه، ولا يطمع قلبه، ولا تحدثه جوارحه بالشيء السيئ والأسوأ، وفجأة يكسر ثقتك، ويجرح أمانتك، ويحاول أن يعتلي ركب المسيرة وحده، قاطعاً كل خيوط الرجعة والمودة التي حاولت أن تبنيها معه طوال مشوار الحياة، تحتار كيف تصفه وتصف كل هذه العلاقة، وهذه الرفقة إلا إنها مخوة بوش.
- يكذب الإنسان فيصف كذبته بالبيضاء، ويكذب إنسان آخر من باب التجمل والملاطفة، وإصلاح ذات البين، ويكذب الإنسان أيضاً لكي لا تكبر مشكلة ما، فيسدها بذريعة الكذب على الماشي، غير أن بعض الناس يكيلون الكذب كيلاً، وإذا لم يستفتح يومه بكذبة كبيرة ليصدقها آخر المساء، فإن يومه ليس بيوم فأل، ولا يجب أن يعد من سنيّه، بعضهم يستنشق الكذب وكأنه جزء من أكسجين الحياة، يربي بطولات وهمية، وعنتريات ومغامرات نسائية تفوق الوصف، وكأنه قدّ من نسج ألف ليلة وليلة، بعضهم يسافر ليومين ويحكي لك عن شجاعات، لو قضى شهراً ما أنجزها، حتى يكاد أن حسبت له ووقفت له على نبرة، فستجد وقته كله مغامرات وسباحة في الفضاء، وطيراناً على أجنحة الريح، حتى لن تجد له وقتاً كان يتنفس فيه، هؤلاء تستطيع أن تسميهم، كما كان يصفهم أهل الدار القدامى بالريح أو الكوس.
- شيء يجمع كذب الحديث وخيانة الأمانة وخلف الوعد، وهو النفاق، فالمؤمن لا تجتمع فيه هذه الخصال الثلاث، فشخصية المنافق رمادية هلامية زلالية، إن جئت تمسكه بواحدة فلا تستطيع الإمساك به منفرداً، هو تجميع من كل الأشياء غير المرئية، وهو هذا الكم من الاتساع والتواجد، بحيث أينما التفت تجده، مرة بضحكة صفراء، ومرة في كامل أناقته، مرة يدس تحت ضرسه سماً، وتحت نطاقه خنجراً، يخلط السم في الدسم، ويغرس الخنجر وهو مبتسم، تغرب عن وجهه كل أمارات الغضب أو الانفعال أو الشعور بالمهانة والمذلة، وجه يحتمل كل ألوان الطيف، تجده ساجداً عابداً، آكلاً مال السحت، غارماً، محارباً الفسق والفجور، يصلي صلاة الاستسقاء، ويدعو للناس بالجدب، يشرب من صافي الغدير، ويدعو للناس بشرب الملح الأجاج، له من صفات الإنسان غير أنها صفات مركبة، لا يطيقها كل إنسان، هي هذه الثلاثية المحرمة.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد