بقلم -ناصر الظاهري
- بخارى وسمرقند وفرغانه ونمنجان، كانت تابعة لطاجيكستان في الأصل، وسكانها من الطاجيك، وعقب الثورة البلشفية عام 1917، لعب الاتحاد السوفييتي الجديد سياسة صنع بلدان جديدة لقوميات مختلفة، فخلق أوزبكستان، مقتطعاً تلك المدن الأربع من طاجيكستان في عام 1924 وألحقت بأوزبكستان، لكنهم ظلوا على عاداتهم، ويتكلمون لغتهم الأم الطاجيكية.
- الفرح بالزواج في سمرقند مبالغ فيه، فقد تستمر أفراح العروسين شهراً، ولا يتركون مناسبة تمر إلا ويحتفلون، شعب يحب الحياة، فقد ودّعوا الحروب دون رجعة منذ أزل التاريخ، وتفرغوا للتجارة والمبادلة، والعيش بهدوء وسلام.
- قلت أجرب سيارة «لادا» الروسية القديمة، فهي مثل حمار الجبال، بعد ما أجبرت عليها حين زرت آثار قدمي النبي داوود عليه السلام كما يدعون ويعتقدون، وهو في قمة جبل، وعليك بعد أن تخضّك «اللادا» أن تركب حصاناً أو تطلع قرابة الألف وخمسمائة درجة، المهم أن سيارة «لادا» ما زالت تكد من دون أعطال، كيف تمشي، وما هو الحديد المصفّح المصنوعة منه؟ وكيف تقاوم، والناس من الحرس القديم ما زالوا يحتفظون بها، ومخلصين لها.
- من عاداتهم أن يرفعوا أيديهم بالدعاء قبل الأكل وبعده، والكثير يعتقد بزيارة القبور والأضرحة تبركاً وشفاعة.
- عند أهل سمرقند عادة، تجدهم يوم الجمعة، وخاصة كبار السن يبكرون في الذهاب إلى الجوامع لتسَنُّن، وسماع خطبة الجمعة، وفور الانتهاء من الصلاة يذهبون للمطاعم المفتوحة على الطبيعة، المظللة بالأشجار، ويفتتحون غداءهم بالسلخ من ذاك البارد من الذي تحبه قلوبهم، الغريب أن الشواب الذين تخطوا السبعين، ولحاهم البيضاء منسدلة على صدورهم حين يرفعون أكفهم بالدعاء تكون اليد مرتجفة، وحين يرفعون كأسات الشعير الباردة والمضببة من البرودة، تكون اليد غير التي كانت في الدعاء.
- الروس بعد انهيار الاتحاد السوفييتي خفت وطأة قدم الجندي الأحمر عن مناطق آسيا الوسطى، وتنفست لغاتهم ودينهم الإسلامي، كان في السابق لا أذان يرفع، والمساجد شبه خاوية، وكان السكان يدفنون القرآن، وكتب الحديث في جدران البيوت ويصلحون عليها بالحجر والإسمنت، وظلت هكذا سبعين عاماً، وحين انهار جدار برلين، ونخّ الدب الروسي أخرجوا تلك الكتب إلى النور.
- أعجب من الزمن الأول كيف كانت تصل رسائل أمير المؤمنين إلى الأمصار، مثل بخارى وسمرقند دون أن يهلك حامل الرسالة، وهو على فرسه من ظل شجرة لسكون الليل إلى غبشة الصبح.
- «مير سعيد بركات» هو معلم «تيمور لنك»، وهو من أصول تركية، وهنا يسمونه الأمير تيمور، لأن «لنك» تعني معطوب الرجل، وهم يجلونه عما يقوله الأعداء، عند وفاة «تيمور لنك» أوصى بأن يدفن تحت قدمي معلمه، هنا.. علينا أن نتوقف كيف صنع الإسلام كحضارة، وقيمة إنسانية بهؤلاء القوم المغول والتتار الذين جاءوا غزاة وهمجاً، وكيف اهتدوا، وعادوا مسلمين بقيم نبيلة وعالية.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد