بقلم : ناصر الظاهري
تكريس الثقافة الشعبية، ومظاهرها المختلفة، وتعميقها في أذهان الأجيال من خلال وسائل الإعلام، لا الاكتفاء بنقل الفعاليات وأخبارها، والانقطاع عنها متى ما انفض الجمع، وانتهت الفعالية، هذا الأمر يتوجب المتابعة، وتطوير هذه الحالات وتثقيفها للارتقاء بها، إن أردنا استغلالها في الصناعة الثقافية والسياحية، وجعلها على خريطة الزائرين للإمارات، قد تكلفنا في البداية جهداً ومالاً، لكن مردودها في النهاية مربح بكل المقاييس.
ولو تتبعنا حالات كثيرة عند شعوب العالم، عملوا عليها بكل جهد وتفانٍ، ونقلوها من مكانتها الشعبية المجهولة إلى أن أصبح بعضها تظاهرات ثقافية وسياحية عالمية، ولنأخذ بعض الأمثلة مما تسعف به الذاكرة في عجالتها، موسم قطف العنب، وعصره في فرنسا وإيطاليا وبعض دول البحر الأبيض المتوسط، انتقل من احتفاء فلاحي بسيط لا تعرفه إلا القرية، لكي يكون اليوم مقصداً أساسياً للسياح والزوار وحتى للتجار ومستوردي الصناعات الكثيرة القائمة عليه، موسم زهرة التوليب والمهرجانات الثقافية والفنية التي تتبعه في كل من تركيا وهولندا، ومهرجان الزهور في بلجيكا، مهرجان «التبوريد» في المغرب على طريقة فرسان القبائل الرامين ببنادقهم من على ظهور خيولهم، مهرجان الألوان في المدن الهندية «ديوالي»، ومهرجان الرسم بالرمال، ومهرجان الرسم بالثلوج في سابورو باليابان، ومهرجان التراشق بالطماطم «لا توماتينا» في بيونول بإسبانيا، وغيرها من مظاهر اجتماعية كانت بسيطة حتى غدت اليوم تدر أموالاً من خلال السياح والحريصين على متابعة هذه الفعاليات الشعبية المفرحة.
لذا لابد من تثقيف الحالات والمظاهر الاجتماعية الموجودة عندنا في الإمارات، وهي كثيرة بعضها معروف، وبعضها الآخر اشتهر بفعل التراكم، وبفعل تطوير فعالياته التي خرجت من بعدها الشعبي البسيط إلى أن أصبحت حالات راقية في عمقها الاجتماعي والحضاري، ولدينا في الإمارات الكثير من هذه المظاهر الاجتماعية، وكانت سابقاً تمارس بشكل تلقائي، لكنها اليوم، وفي ظل حركة مجتمعية وتحول في معطيات العصر، وتأثير ملحّ في حياة الناس، وسرعة إيقاع وقتهم، لابد لنا من التوثيق، ولابد لنا من تعميق تلك المظاهر، وإشاعتها وتكريسها عند الأجيال الجديدة، ولنتحدث عن مثالين فقط، مزاينة الأبل، ومزاينة الرطب، هذه فعاليات أصبحت اليوم تستقطب السياح، وعلينا أن نضعها ضمن أولويات السياحة؛ لأنها بالنسبة للآخرين دهشة واكتشاف، ومعرفة جديدة، وهي كذلك تستقطب قطاعات كبيرة من العاملين في القطاعين، بغية تطوير النفس، وتطوير الإنتاج، وخلق روح المنافسة، وبإمكاننا أن نزيد من قائمة هذه المظاهر الاجتماعية التي تقرأ ثقافة الناس والمكان، ويمكن أن نرفع من قيمتها، ونعمق مكانتها لتخدم ثقافة وسياحة الإمارات.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد