السُتَر الصفراء غير ساترة

السُتَر الصفراء غير ساترة

السُتَر الصفراء غير ساترة

 صوت الإمارات -

السُتَر الصفراء غير ساترة

بقلم : ناصر الظاهري

عرّت تظاهرات السُتَر الصفراء «Les gilets jaunes» النظام الرأسمالي العالمي، والانتهازية الاقتصادية الضريبية التي تقتص من الفقير، وتعفي الغني، وتثقل على الطبقة الوسطى التي هي أساس النظام الأوروبي، ومن أجلها قامت الثورات التحررية كالثورة الفرنسية، وقامت من أجلها حربان عالميتان، وهي اليوم المقصودة بالانتهاك الضريبي، ورفع أسعار الأشياء الأساسية في الحياة، كالوقود ومقتضيات الحياة الضرورية، حتى غدت المعيشة صعبة للغاية من ناحية التسيير المالي، ومن ناحية ضغوطات الوقت، ومن ناحية الأجور التي لا تسعف الحياة الاستهلاكية لا الكمالية في ظل تآكل لمؤسسات الضمان الاجتماعي والصحي، ورفع الغطاء عن الدعم الحكومي أو الاستيفاء من الضرائب المتعددة على المواطن الفرنسي والأوروبي، لهذا يخاف من تلك الشرارة التي انطلقت في باريس أن تمتد بأكل هشيمها في دول الجوار الأوروبي.
اتخذ أصحاب تظاهرات السُتَر الصفراء التعري كنوع من الاحتجاج، وسقوط الأقنعة العولمية، وورقة التوت الكوكبية، ومهاجمة رموز الشره التجاري، والمبالغة في الاقتناء الباهظ كنوع من مظاهر أرستقراطية يعدونها كاذبة ولا تمثل الباريسيين بالذات، والفرنسيين بوجه العموم، فكان التخريب والنهب في الممتلكات العامة والخاصة، وهو أمر غير بعيد عن ثورة الهامش والمركز في عهد «ساركوزي» وضد القوى اليمينية والمتطرفة منها، حينما قرروا بطريقة غير مكتوبة بعزل الهامش وتحييده وإهماله، مقابل الاهتمام بالمركز الخاوي من أي كثافة سكانية وطبقة عمالية وبطالة كبيرة ومهاجرين ومواطنين من أجيال ثلاثة وأربعة من مخلفات الاستعمار الفرنسي في أفريقيا وما وراء البحار، وحروبها في آسيا والهند الصينية، حينها نهض الهامش مطالباً بأبسط الحقوق والامتيازات كمواطنين يعدهم اليمين المتطرف مواطنين من درجة ثانية، واليوم هم نفسهم من يقوم بالتظاهر ضد الآلة الصناعية الزاحفة، وضد نظام لم يقدم له فيها اليسار غير خطب رنّانة، وتنظير أيديولوجي بغيض، ومصطلحات عفا عليها الزمن، ولَم يسعفه اليمين بغير أطروحاته الشيفونية والقومية التي باتت تضيق بالمواطن الكوكبي «الكلوبالي» الذي تنشده الأنظمة الجديدة في عديد من الدول وتدعو له كتبنٍ مستقبلي للمواطن الإلكتروني «.E Citizen»، هذه التظاهرات ليست ضد «ماكرون» في المقام الأول إنما ضد نظام لا بد أن يتغير في أوروبا الموحدة، فالمواطن مستهلك ومثقل بأعباء الحياة اليومية وتفاصيلها الأساسية من مسكن وملبس ومأكل ومواصلات وتأمين صحي وتعليمي وضمان اجتماعي، حتى بدأت تظهر نغمات كانت في البداية ضد دساتير الدول الأوروبية، وبعيدة عن الأممية والإنسانية، والحقوق الحضارية لثرواتهم الكبرى في العدل والإخلاء والمساواة، فظهرت إشارات قد تكبر غداً بطرد المهاجرين، وقفل الحدود عن اللاجئين، والتشديد على منح الجنسية الأوروبية، وغيرها من حقوق الإنسان في نظام عالمي يسمى «موندياليزاسيون أو كلوباليزيشن»، وهو من تباشير القرن الجديد الذي سرعان ما ظهرت دعوات ضد العولمة أو العولمة المضادة «Deglobalization» أو على الأقل تقنينها وجعلها أكثر إنسانية إذا ما كان هدفها الأساسي الإنسان وسيرورة حضارته الراقية.
فرنسا غير مستقرة، ومنها تبدأ دائماً الأشياء التي يسجلها التاريخ لريادة هذه الدولة في تغيير مسارات الإنسان، وقد قالها مرة ذلك الرجل التاريخي «فرانسوا ميتران»: «أنا آخر الرؤساء التاريخيين، ومن بعدي لن يأتي إلا رجال مال ومحاسبون»!
 المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
 نقلا عن الاتحاد

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السُتَر الصفراء غير ساترة السُتَر الصفراء غير ساترة



GMT 03:30 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 03:11 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

تفّوق إسرائيل التقني منذ 1967

GMT 03:10 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

قد يرن «البيجر» ولا يُجيب

GMT 03:08 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

لبنان... الرأي قبل شجاعة الشجعان

GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 17:50 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 20:33 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

تتخلص هذا اليوم من بعض القلق

GMT 11:57 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج السرطان الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 01:57 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

انشغالات متنوعة التي ستثمر لاحقًا دعمًا وانفراجًا

GMT 01:57 2015 السبت ,03 كانون الثاني / يناير

الفنانة مي كساب تصوّر مسلسل "مفروسة أوي"

GMT 01:19 2014 الثلاثاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

استعد لتسجيل أغاني قديمة وحديثة لألبومي الجديد

GMT 11:27 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

جرأة وروعة الألوان في تصميم وحدات سكنية عصرية

GMT 22:04 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

جزيرة مالطا درة متلألئة في البحر المتوسط

GMT 21:59 2013 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

نشطاء على الفيس بوك يقيمون يومًا ترفيهيًا للأطفال الأيتام

GMT 09:20 2016 الأحد ,03 إبريل / نيسان

متفرقات الأحد

GMT 18:47 2013 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

الصين تعرض تصدير 3200 ميغاواط من الكهرباء لباكستان

GMT 04:37 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة حديثة ترصد أهم خمسة أشياء تؤلم الرجل في علاقته مع شريكته

GMT 21:22 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل زيدان "في مهب الريح" للمرة الأولى

GMT 18:49 2020 الثلاثاء ,16 حزيران / يونيو

28 موديلا مختلفا لقصات الجيبات

GMT 04:49 2020 السبت ,18 إبريل / نيسان

تسريحات رفع ناعمة للشعر الطويل للعروس

GMT 03:10 2019 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مي عمر تنضم لمسلسل محمد رمضان "البرنس" رمضان المقبل

GMT 02:53 2019 الأحد ,08 أيلول / سبتمبر

إطلاق مجموعة "لاكي موف"من دار "ميسيكا" باريس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates