بقلم : ناصر الظاهري
ظاهرة الوسخ في بعض مدننا العربية، أصبحت بائنة للعيان، ولا أحد يلتفت أو يحاول أن يغير، وأصبحت القاذورات فرجة، وكل شخص يتركها للآخر لعله يتحرك ويميط أذاها عن الطريق، فيقوم هذا الآخر ويزيدها حتى تتراكم منذرة بالمرض والخطر، حتى بيروت التي كنّا نتحدث عن نظافة الأشياء فيها، وتلك النقاوة في كل شيء، نتيجة الوعي الفردي والجماعي،
أصبحت اليوم مضرب المثل في نفاياتها التي تزكم أنوف الناس، عدا السياسيين، من يرى بعض مدن المغرب بالأمس، ويراها اليوم، يتملكه العجب، لقد أصبحت المدن العريقة، وكأنها قرى فلاحين، وأحياء شعبية، لا تعرف أين تضع قدمك، وتخاف على يديك من لمس أي شيء، وإنْ ذكرنا بيروت وبعض مدن المغرب، لأنها لم تكن كذلك قبل سنوات، لكن طابور المدن العربية
المتسخة بفعل أناسها ونفوسها يزداد، ويخجل، في حين أتمنى لو تتعلم هذه المدن العربية أو هي قرى بشكل أصح من بلدية مدينة عالمية مثل إسطنبول، وترى النظافة والترتيب والتخطيط والحدائق والخضرة في كل مكان، رغم أن إسطنبول بحجم جميع تلك المدن مساحة وسكاناً، لكن أين الثرى من الثريا.
ثمة هجمة من جميع الأطراف الفلاحية والنائية والصحراوية إلى داخل المدن العريقة، بحيث إن هذه الهجمة التي تتكرر لن تتوقف حتى تتورم المدن، وتتغير ملامحها، وتتخلى عن أناقتها، ويصبح الطابع الغريب مألوفاً لديها، وهي التي كانت تستهجنه في ماضي أيامها النظيفة، أما الآن، فمعظم مدننا العربية تحولت إلى قرى كبيرة، ولا مسؤولية بحجم مسؤولية بلدية مدينة إسطنبول أو المدن الأوروبية العريقة، سيقول البعض بلدياتنا لم تقصر، لكنه وعي الناس، والمسؤولية الاجتماعية، هما الغائبان، يمكننا أن نعتبر ذلك جزءاً من الحقيقة، لكن من لم يؤدبه طبعه ووعيه، تؤدبه القوانين والالتزامات والغرامات، بلدية سنغافورة مثلاً ظلت ترفع عقوبة رمي السجائر في الطرقات حتى بلغت حدها، ولأن بعض المواطنين قادرون على الدفع، ويحبون المخالفة، ويشتهون الغرامة، طبّقت نظاماً آخر، وهي الإهانة الاجتماعية، وتلك لا يتحملها المواطن، ولو كان مخالفاً، وهي أن يقوم بكنس الشوارع، وينقل ذلك حيّاً، وعلى الهواء مباشرة، فخلت الشوارع من أعقاب السجائر والأوراق في مدة قصيرة من الزمن، ومع الوقت تربى وعي بالنظافة، والنظافة العامة، حتى غدت سنغافورة تستضيف كل عام مؤتمراً عالمياً للحمامات، وكل ما يتعلق بها.
شخصياً، لا أعتقد أن أي مدينة عربية من التي تعرفونها بنفاياتها، قادرة على أن تستضيف مؤتمر الحمامات العالمي، ليس لأنها لا تستطيع، بل لأن المسؤولين عن المؤتمر لا يقبلون!