بقلم : ناصر الظاهري
- «هناك أناس لا فائدة ترجى منهم، يشبهون الأشياء الطافية على سطح الماء، لا تدري أين هم من هذه الحياة، تجبرك الأوقات أن تسافر مع أحدهم إلى سويسرا وفرنسا، فتجده في النهاية يحمل معه دولارات أميركية، وليته يدبّر حاله، مثل هؤلاء الناس الأمور ضاربة معهم، وصعب إصلاحهم في الوقت القريب، المشكلة أنه غير مهتم، ولا مبال، فهو مثل الهنجري اللي راضي، وأنت مثل ذلك البيدار..»!
- «ليس مثل عليباء العربي، وهو يهم بالدخول أو الخروج في أي مطار، تجد الأكتاف منهزمة، تقول عليها ثقل يونية طحين، وثمة خوف من المجهول، وخوف من لا شيء، عيناه زائغة لا تبصر أمامها إلا أن مشكلة قد تقع على رأسه فجأة، وقدماه لا تشعر فيها أي ثقة محتملة بأن تخرجه حتى حد الباب، من زرع هذا الرعب في قفا هذا العربي.. من حمّله أعباء الدنيا ووزر الآخرة.. من جعل ظهره يشي بكل هذه الهزائم؟! والذي بالتأكيد لا يشبه ظهر دانمركي أو هولندي مقبل على كل الأشياء، وثمة ثقة في داخله تجنّح به، في حين العربي حين يتقدم، كأنه يتقدم نحو الشرطي الساكن في داخله كشبح، وكأنه سيساق لزنزانة مكبلاً بالقيود الثقال، ويخاف أن يسأله أحد، ويتوقف عن المزح والضحك حينها حتى يفلت من الجمارك، ساعتها يشعر أن الروح ردت إليه، فيبلع ريقه الناشف، مستدعياً ابتسامة تخشبت في صدره».
- لا أحد يوتر أهلك مثل أوروبي عجوز، يظل بين عينيك، وحاجباً عنك الرؤية، طوال الرحلة لم يجلس على كرسي الطائرة المعد للراحة، كان ضعيفاً أشيب شعر الرأس، والذي ظل مقاوماً، والمؤكد أنه لن يتساقط في سنواته المقبلة، يرتدي نظارة خفيفة بلا إطار، كان فرنسياً من تلك السحنة التي تشبه سحنة الأطباء عادة أو عاملاً في مختبر أدوية، وكان يشبه أيضاً المستكشف والبحار الفرنسي «كوستو»، ارتدى أكثر من فانيلة صوف، ودثر عنقه بوشاح، وظل يتفقد أشياء موجودة، لكنها غائبة عن الذاكرة، ويفتش في أجياب معطفه وحقيبته، ثم فجأة يشعر بحر فيخلع ما ارتداه، هذا العجوز القلق حد الوسوسة لن يترك الطائرة، إلا بعد أن يقلب كرسيها، فربما شيء سقط منه، ولا يدري، ثم سيجول بناظره على الناس يريد أن يقرأ ربما ثقة في عيونهم، ضحك معي، حين شعر أنني أراقبه، خاصة عندما تسلق يناظر «كابينة» الحقائب العلوية، من حسن حظه أن أمرأة كانت جالسة أمامه خرجت بسرعة، فنسيت حقيبتها اليدوية، لولا نبهها مسافر آخر، ساعتها شعرت بسعادة ذلك العجوز الفرنسي، وعيناه تقول لي: ألم أقل لك؟ هل رأيت أهمية التفقد، لكنني أعتقد جازماً أن مثله بهذا القلق والوسوسة، لابد وأن ينسى شيئاً أو يفقد شيئاً، أو يترك شيئاً هنا.. أو هناك». نقلا عن الاتحاد