بقلم : ناصر الظاهري
- ليت قلوب الناس مثل قلوب الأمهات، ليت للناس تلك الفطرة التي كلها خير، وكلها دفع للأذى، تعشب الأرض إنْ مرت بها أم، وتفرح الريح إنْ باغتت في طريقها ظل أم، وترسل السماء غيمها الأبيض، وغمامها الممطر إنْ جالت أم حافية القدم، حاسرة الرأس، وجلة تترقب، ليته كان للناس ذاك القلب، لكانت للحروب لغة أخرى، وكان للسلم معنى آخر، ولكان الدمع مثل الجوهر، وكان الحنين أنهراً تجري، هي الأم، سلام لها وعليها حتى مطلع الفجر. للأمهات.. للنفوس المطمئنة بسكينة الرب، واهبات اللون للحياة، للأم في عيدها أكثر الورد، وأعطر الزهر وأرق قبلة على جبهتها، وفوق الرأس، يا تاج الرأس.
- ليس مثل باريس مدينة، تخبئ لك الفرح حتى تأتي، وتخبئ لك الأصدقاء حتى تأتي، تلتقي صدفة بصديق باعدت المدن والحياة بينكما، جاءها فجأة، وكأنه على موعد معك في ذلك المطعم الدافئ، المطل على نهر «السين»، والذي لا يدري عن تلك الريح الزمهريرية التي تضطرم في الخارج، تلتقي بـ «بسام فريحه» الذي لا تلتقيه في أبوظبي رغم جوار الباب بالباب، غير أن باريس تفرحك بلقائه في نقطة تقاطع بين أسفاره الكثيرة في المدن الكثيرة، وتشرب قهوته في دارته التي تقبض على ساحة «أميركا» في الحي الثامن، باريس لا تنسى أصدقاءك الجميلين، المتوهجين بلظى حرف النُّون والقلم وما يسطرون، يقبض عليك الروائي الجزائري الرائع «واسيني الأعرج» وزوجته الشاعرة الدافئة بالكلمات «زينب الأعوج»، متلبساً بالهروب في مدينتك التي تحب، فيضمكم غداء باريسي تمتد ساعاته، وتتباعد أطباقه، باريس قد تخرج «د. نجم عبد الكريم» من مخبأه المراكشي أو عشه اللندني، وتضعه في طريقك وأنت تجوب شوارع باريس، ويكون جواب «نجم» قبل السؤال: «تعال نتعشى في مطعم رائع..»، كم خبأت تلك المدينة من أصدقاء، وكم طرحتهم في طريقك بصدفتها الملبسة بالفرح؟ تفتقد أصدقاء ودعوا باريس، كانوا هنا يوماً، مثل «الصكار وإلياس الفرزلي وصالح العزاز» وغيرهم، يذكرك بهم وبِهَمّ، الليل وشجن «ساكسفون» يريد أن يطرد الحزن عن الظلام، تمضي أيام باريس، وتكتشف أنك كنت خلالها طاهراً من الغيبة والنميمة، خالياً من ذكر ما فعلوا، وما يفعلون، وأن لا حديث غير نافع جرّك إليه كثير من المتحولقين والجالسين والطاحنين أسرار الناس، والذين لا تمشي عقارب ساعاتهم دون أن تلسع فلاناً وسيرته، وعلانة وما صنعت بنفسها، تلك ميزة باريس، تخبئ لك أصدقاءك، وتدهشك بالفرح كله، وتحاول أن تجعلك طاهراً على الدوام.
نقلا عن الاتحاد