بقلم : ناصر الظاهري
تشتهر كثير من المدن بأسواقها، وتكاد تكون عنواناً لها حيث تتلاقى الأخبار قديماً وتنتقل، وحيث يعرف الضيف والغريب عن المدينة، وحيث تقرأ «فرمانات» الوالي، وحيث يسكن المجانين والمعتوهون ولصوص المدينة، الأسواق باختصار مدن صغيرة في مدن كبيرة.
وقد اشتهر في الكويت سوق «واقف»، وفي الدوحة هناك سوق بنفس الاسم، وسبب تسميته بسوق واقف، لأن الباعة كانوا يقفون وهم يعرضون بضائعهم، خاصة صغار التجار الذين لا يملكون دكاناً في السوق، وفي بومبي الهندية، هناك سوق يسمى سوق «الحرامية» أو «جار سو بيس بازار»، حيث تجد المسروقات والبضائع المتنوعة، وفي مدن تركيا كإسطنبول تجد «السوق المصري» و«السوق الكبير» وفي بورصة هناك «السوق القديم المسقوف»، وفي سراييفو هناك السوق التاريخي «باشرشيا»، وفي دمشق لعل أشهر الأسواق «سوق الحميدية»، وفي صنعاء هناك «سوق الملح»، كل تلك الأسواق كانت نقطة الارتكاز، وكبرت من حولها الأماكن والمساكن والمرافق، لكنها بقيت مركزاً يشار إليه حينما تنعت عنواناً لأحد.
هناك أيضاً أسواق وشوارع الفن مثل «أربات» في موسكو، وأسواق الوراقين والكتب، مثل «سور الأزبكية» في القاهرة، وشارع المتنبي في بغداد، وشارع السعدون، وأرصفة الدار البيضاء، وسوق «الحبوس أو الأحباس» في الدار البيضاء، وسوق «باب مراكش». أما مدينة مراكش الحمراء، فأشهرها ما حول «جامع الفنا»، وفي مدينة طنجة العالية، يعد سوق «كاسا باراطا» أو «casa barata»، وتعني المكان أو الدار الرخيصة، من أهم أسواقها، وفيه من أصغر الأشياء إلى أغلاها، وفي تونس السوق القديم المؤدي لجامع الزيتونة، وفي منطقتنا قديماً، كان هناك «سوق البريمي» بجوار «الحِلّة»، وسوق العين القديم، وسوق القطارة، والأمر كذلك في سوق دبي القديم، وهناك سوق مطرح، وسوق صحار التاريخي في عُمان.
في أوروبا تكاد تنعدم الأسواق القديمة بصورتها المماثلة في الشرق، لكن تجد بعض هذه الأسواق الشعبية المتنقلة، والتي تقام في المناسبات العامة أو حسب الأيام، وهي أشبه بأسواق العاديات و«الانتيكات»، والأشياء التي لم يعد لها ضرورة عند الناس، فيتخلصون منها بالبيع الرخيص أو حتى بالمقايضة، والتي يطلق عليها في فرنسا «روكان»، وفي إسبانيا «الراسترو»، أما في الأندلس، وخاصة في غرناطة، فهناك «سوق البيازين» و«القصبة» و«الرملة»، وقد نقل «المورويسكيون»، وهم بقايا المسلمين، واليهود تلك الأماكن إلى مناطق في شمال أفريقيا، حيث تجد القصبة في الجزائر.. الأسواق هي رئة المدن، وعطرها.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد